من المعروف في تاريخ الإيديولوجيات المحسوبة على الجمود العقائدي، أن المنهجية التي تسود-عادة- هي المزايدة في اتجاه التطرّف والتشدد، بين أطراف الفكر الواحد، مما يؤدي -عملياً- إلى سيادة النموذج الأكثر تطرفاً والأشد غلواً، وهو ما أثبتته العديد من التجارب، سواء تلك التي تنتمي للتيارات اليمينية والعنصرية، أوتلك التي تنتمي للماركسية، أو للإيديولوجيات الدينية، لأن النمط الذهني الذي يتحكم في هذه الصيرورة، ليس هو العقل والواقعية، بل الولاء لبنيات ثقافية، ثابتة ومسبقة ولا تتحرك.
لذلك، فإن ما يحصل اليوم، سواء في المغرب، أو في العديد من البلدان العربية والإسلامية، هو أن المزايدة باسم الدين، تفضي –عملياً- إلى سيادة الأنماط الأكثر انغلاقا ولا عقلانية، حيث يقوم الأكثر تشدداً بتصفية الأقل منه، ويأتي بعد ذلك من هو الأكثر تطرفاً ليُزايد على الجميع، وهكذا دواليك، إلى أن يسود الأكثر ظلامية ورجعية، في مسار خطير من التصعيد المتواصل.
ويمكن القول، إن أصل هذه المعضلة، يكمن في جوهر الفكر نفسه الذي تنطلق منه هذه الإيديولوجيات.
إنها إيديولوجيات الحقيقة المطلقة، التي لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، كما هو الشأن بالنسبة للتأويلات الجارية،للإسلام حالياً، والتي تتبناها بعض التنظيمات السياسية/الدينية، التي تأكل من رأسمال المشترك، وتواجه خصومها السياسيين بالمزايدة، في قراءة خاصة للنصوص، ترتكز على التقليد أكثر منها على النص الأصلي، كما يحصل –اليوم- في المغرب، بخصوص مخيمات الأطفال.
ما أثير في الجدل القائم حول التربية الدينية، لهؤلاء الأطفال، ليس هو تجريدهم من انتمائهم الثقافي الإسلامي والمغربي، فلا أحد ادعى ذلك، غير أَن تعديل البرامج ومناهج التأطير، انطلاقا، من وجهة نظر، يمكن هي أيضا مناقشتها، لا يستدعي استنفار «الأمة»، ضد «الخطر الداهم»، مما يؤكد أن المزايدة بالدِّين عملٌ سياسي بحت، يستغل المشترك، بين المغاربة، للتحريض ضد خصوم سياسيين٠
غير أَن ما ينبغي أن يعلمه المزايدون، أنهم يلعبون بالنار، فهذا السلاح استعمل وسيستعمل أيضا ضدهم، لأن هناك من سيزايد عليهم أكثر فأكثر، بنفس المنهجية، إلى أن يسود المزايد الأكبر، فإيديولوجيات الجمود العقائدي، تتيح بسهولة ليكون فوق كل مزايدة، مزايدة أشرس وأعتى.