عند عودتي من حمامنا الشعبي، استلقيت كعادتي متمددا فوق ” الكاتري الخشب ” أمام التلفاز، ودثرت نفسي بحايك أمي سليمة “الخنطيطي “. هذا الغطاء وحده القادر على التصدي لصقيع موجة البرد القارس، بعد أن حشوت معدتي ب “جبانيتين ” من بيصارة الفول قاهرة الجوع والخصاص، المعطرة بنكهة زيت العود والكثير من الثوم والكامون مرفوقة بخبز الشعير، وصببت فوقها بضع كؤوس من الشاي المشحر بالشيبة. لكن بمجرد أن دب الدفء في جسدي، بالموازاة مع نقل التلفزة لقطات معاناة ساكنة الجبل والقرى المهمشة، مع حصار الثلوج وانعدام خشب التدفئة، ونفوق العديد من رؤوس الماشية جوعا وبرودة، ونداءات الاستغاثة المتكررة من قمم الجبال للتنبيه للطرق المقطوعة… استسلمت لنوم عميق ( النعاس خو الموت ). بعد أن تجمدت كل حواسي .
رأيت فيما يرى النائم، أن قنوات التلفزة المغربية، قد استغنت عن العديد من البرامج المنحطة، والمسلسلات المستوردة، والإشهارات الاستهلاكية، ولم تقدم سوى تحقيقات وروبرطاجات عن حصار الثلوج لساكنة جبال الأطلس، وتصريحات المتضررين عن النقص المهول في خشب التدفئة، وقنينات الغاز، والمواد الاستهلاكية وعلف الماشية، وألبسة الأطفال وحليب الرضع، وأدوية الأمراض المزمنة، …..وعزز الصحفيون العاملون بالتلفزة المغربية على نقل ذلك بشهادات ولقاءات مباشرة من المجالات المحاصرة مع فعاليات جمعوية ومدنية وحقوقية للحديث عن المشاكل والبدائل الممكنة. حيث تحدث عبر ميكروفون التلفزة الطفل والتلميذ والأستاذ والفلاح والمعطل والمرأة والفتاة….ونطقت صور المواشي والرعاة بما يعجز اللسان عن وصفه…وأجمع الكل على محاكمة المسؤولين بمختلف كراسيهم الوتيرة.
أعرف أنني ” اشخر خلال النوم ” ورغم ذلك، سمعت صوتا، مبحوحا يطالب عبر تصريح تلفزي ” نريد من بن كيران أن ينظم صلاة خاصة للاستسماش على مقاس صلاة الاستسقاء التي كان يبكي فيها متخشعا طلبا للمطر ذات سنة “. ورددت أصوات مماثلة نفس الطلب بحجة أنه كان “رئيس حكومتهم ولم يقم بما يجب القيام به من فك العزلة بالطرقات والقناطر، وتوفير العيش الكريم لساكنة الجبل والقرى المتضررة،…” وما هي إلا لحظات حتى ربط الاتصال ببيت السي بن كيران عبر مراسل القناة للرد على تصريحات المواطنين.
” سمح لي كنت كنتكلم في المؤتمر تاع الشبيبة، ….نعم، نعام، إييه، سمعت وشفت الناس آش قالوا في التلفزة، عندهم الحق….حينت لمغاربة عرفوا بللي ماخلونيش نخدم…أنا كنتكلم على شي ناس….خاص اليوم نفرقوا بين السلطة والمال في المسؤوليات…..ما يمكنش…”.
انقطع الاتصال مع بن كيران . وانتقل الميكروفون وسط شوارع المدن:
ـ مواطنة من الرباط : ” سمعت تخربيق بن كيران …الراجل منافق وكذاب، علاه شكون اللي شرع لسياسة عفا الله عما سلف؟”
ـ تلميذ مستوى إعدادي من سلا : ” أنا بغايت برنامج كي كنتي وكي وليتي يستاضف بنكيران .”
ـ مواطنة من مراكش: ” هذاك راه طايح على راسو….كيعرف غير الشافوي والله يداوي….تبعناه حتى خرجنا في الحيط والحاضي الله “
ـ طالب جامعي من الدار البيضاء : “كون تفرق بين السلطة والمال…فرق بعدى بين الدين والسياسة….بين القضاء والسياسة…وقدم حامي الدين للمحكمة التي رفض الامتثال لسلطتها السي بن كيران.”
ـ فلاح من الشاوية ” ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين….حسبي الله ونعم الوكيل.”
ـ رجل تعليم من أسفي: ” لو كان بن كيران يحترم نفسه ….لانزوى إلى الخلف، كما فعل الرجال من أمثال السي عبد الرحمن اليوسفي…لكنه مدفوع للتشويش على المؤسسات،…واسأله من هذا المنبر التلفزي، من أقدم على ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، من أجهز على مكتسبات الشغيلة المغربية، من انبطح لإملاءات صناديق الخارج….من ومن …..وسير تحشم وتكمش “
ـ مقاول من قنيطرة ” بن كيران كان سببا في افلاس العديد من المقاولات….ويتحمل مسؤولية الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية منذ 2011 ….”
ـ نقابي من المحمدية : ” هو سبب فشل الحوار الاجتماعي، هو سبب إغلاق لاسمير….هو سبب الزيادات المجحفة في المواد الاستهلاكية ….هو سبب تمرير مشروع اصلاح ورفع سن التقاعد بطريقة منفردة….هو سبب كل مشاكل المغاربة….يستحق محاكمة علنية.”
معتقل سياسي سابق: ” بن كيران انتهازي و حربائي في تحالفاته، بهلوان في شطحاته، تمرس وتعلم في دار المخزن للقيام بهذا الدور وفي هذه الفترة بالضبط، …بن كيران سبب الحراكات الاجتماعية في المغرب شمالا وجنوبا وغربا وشرقا….لو احترمت المنهجية الديمقراطية خلال الفترة الثانية لحكومة التناوب، لكان المغرب اليوم شيء آخر… لو احترم بن كيران مؤسسة رئيس الحكومة وفعل القوانين والدستور لما وصلنا لما وصلنا إليه…. بن كيران سياسي منبطح يخدم مصالح فئات يعرفها هو جيدا …..بن كيران مخلويض كبير بقناع الورع والتقوى ” .
ـ شهادة مواطن من أكادير: ” بن كيران لا يتقن سوى فن الكذب والنفاق، لا علاقة له بالمنطق والمبادئ، رجل خسر كل شيء في حياته ….ملفات تسريح العمال بالمغرب …وتواطؤ الحكومة مع الباطرونة ….وتدمير كل آليات الحوار الاجتماعي….والاجهاز على مكتسبات الطلبة والعمال والموظفين والدكاترة والفلاحين…ستبقى وصمة عار على جبين حزب العدالة والتنمية…”
وانهالت التصريحات من كل صوب وحدب تتنقد سياسة الأغلبية بقيادة العدالة والتنمية منذ أن اعتلى بن كيران كرسي الرئاسة، وسجلت التلفزة المغربية أعلى نسبة مشاهدة خلال الأيام التي عرفت تساقط الأمطار، والثلوج بشكل استثنائي، ولم يعد أي اثر لبرامج الشوهة، ومسلسلات الخردة ، والإشهارات الاستهلاكية، وتفاعل الناس مع قوافل التضامن والتكافل التي دعمتها المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وانخرط فيها المجتمع المدني، وتطوع فيها المواطنون بشكل عفوي وتلقائي لتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية، و المساهمة في أشغال فك العزلة وشق الطرقات، وفتح المدارس العمومية.
ساعات من الحلم الجميل، عكرته فجأة مياه الأمطار التي تسربت من سطح سقف الغرفة التي كنت أنام فيها تلك الليلة، تبلل حايك أمي سليمة ” الخنطيطي ” وتسربت البرودة لكل أطراف جسمي، واستفقت على نداء يقول لي: ” وانت فيق، واش انت ميت،… شفتي كون صلحتي السقف تاع البيت، الصيف اللي فات، ما توقعش هاذ المصيبة.”.