من المؤكد أن المعركة الثقافية والإيديولوجية، من أجل تحديث المجتمع، ستكون قاسية وشرسة، لأن هناك من جعل من الدفاع عن الأفكار المتخلفة والرجعية، رأسماله السياسي، بعد أن فشل على كل المستويات، رغم أن كل الظروف المواتية، كانت متاحة له ليقدم البدائل الحقيقية، التي يتطلع المجتمع إليها، فعلياً، لأنها تمس حياة المواطن، اليومية، ومستقبل أبنائه وبلاده، كما تهم كل المجالات الاجتماعية والتنموية والتربوية والسياسية، لكن تعويض الفشل، لدى البعض، سيكون عن طريق تخويف الناس من شبح «العلمانية»، ومن الخطر المحدق ب»المِلّةِ».
هناك محاولة لإدراج أهوال يوم القيامة، في الحياة السياسية، في إطار منهجية تضليل الرأي العام، والتأثير على الناس، وحشد الأنصار، رغم أنه لا يوجد في أرض الواقع، مايستدعي هذا النفير العام، إذ أن الأمر يتعلق بمبادرات تدريجية، تسير كلها في اتجاه إنصاف المرأة، تحقيقا لمبدإ المساواة، الذي أصبح مفروضاً، نظراً لكل التحولات التي حصلت على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية.
ومن المنتظر أن يحتدّ الصراع الإيديولوجي، إذ سيعمل على استغلاله سياسياً، أولئك الذين تعودوا على هذا الأسلوب الخطير، الذي يحاول أن يقسم المجتمع قسمين، والدخول في مزايدات «دينية»، قد تؤدي إلى تصعيد مفتعل، لتحويل الأنظار والمناقشات عن المشاكل الحقيقية التي تحظى بالأولوية لدى المواطنين، ليس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فحسب، بل أيضا على مستوى الثقافة السائدة في المجتمع، التي تحتاج إلى مراجعة شاملة.
لذلك، فإن معركة التحديث في المغرب، لن تكون سهلة، كما هو الشأن في كل المجتمعات العربية، حيث هناك قوى تتربص بأي محاولات للتحرر من الموروث المتخلف، الذي كان السبب المباشر في تكبيل هذه المجتمعات لمدة طويلة، تقاس بالقرون، وأفرزت أنظمة حكم أعادت إنتاج هذا التخلف، وساهمت في خروج مجتمعاتنا من التاريخ.
من غير الممكن أن نتصور أَن النجاح في معركة التحديث، سيكون أمراً عفوياً، أو أنه سيتم بشكل عشوائي، فكل المجتمعات التي خاضت غمار هذه المعركة، توحدت فيها القوى المدافعة عن التنوير والانفتاح الحضاري وتجاوز ثقافة التخلف، وهو ما ينبغي أن يحصل في المغرب، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بمعركة إيديولوجية،فقط، ولكن أيضا سياسية.