فاجأت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، العديد من المراقبين، في كلمة ألقتها بمراكش، خلال أشغال المؤتمر الإقليمي الرفيع المستوى المنظم حول «الازدهار للجميع.. تعزيز الوظائف والنمو الشامل في العالم العربي»، إذ تَبٓنّتْ خطابًا يناقض التوجهات الحقيقية، للمؤسسة التي تشرف عليها، وطالبت دول المنطقة بمزيد من التمويلات العمومية للتربية والصحة.
وسجلت أيضا، انطلاقا من دراسة أجرتها مؤسسة Arab Barometer، أن 70 في المئة من المواطنين في هذه المنطقة، يعتبرون أن مجهودات تقليص الفوارق الطبقية، تكاد تكون معدومة، وأن معدلات التشغيل، بنفس المنطقة، هي الأضعف في العالم، وقدمت عدة نصائح مثل تشجيع قطاع خاص قوي يخلق الثروة، ومحاربة الفساد، وإصلاح النظام الضريبي.
ويمكن القول، إن ماقالته لاغارد ليس جديداً، فقد سبق أن قيل من طرف أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات حقوقية وباحثين ومؤسسات متخصصة في الدراسات… غير أن شهادتها، باعتبارها مشرفة على أكبر مؤسسة تمويلية في العالم، كانت وراء إجراءات تقشفية ولاشعبية، في العديد من بلدان العالم، تثير التساؤل والاستغراب.
فما الذي تريده لاغارد من تنبيهها دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى خطورة الوضع الاجتماعي، وهي تعلم أن صندوق النقد الدولي، يتحمل جزءاً من المسؤولية في الوضع الذي تعيشه الكثير من هذه البلدان. ولكنْ لا يتحمل المسؤولية، كلها، وهذا هو ما يفسر «خٓرْجٓةٓ» المديرة.
فإلصاق كل الشرور بتعليمات صندوق النقد الدولي، أمر غير صحيح، وإنْ كان ما يهمه هو دفع البلدان إلى تبني سياسات مغرقة في الليبرالية، بتقليص الإنفاق العمومي، في القطاعات الاجتماعية، إلا أنه ليس مسؤولا عن تفشي اقتصاد الريع والرشوة والفساد والاغتناء الفاحش، في هذه المنطقة، ولا أبدا عن استحواذ أقلية على أغلب الثروات، أو على مظاهر البذخ وغيرها من سلوكيات الثراء الفاحش.
فما تعيشه الكثير من بلدان المنطقة، ليس الليبرالية، كما هو متعارف عليها دولياً، أي الاحتكام إلى منطق السوق، مع تكريس نظام رأسمالي يمجد المبادرة الحرة والقطاع الخاص، المنتج للثروات، مع كل أضراره الجانبية الطبقية، بل إن ما تعيشه المنطقة، أقرب إلى أنظمة احتكارية ريعية، منها إلى النظام الليبرالي. وهو الواقع الذي تغاضت عنه المنظمات التمويلية الدولية لعقود، لكنها تنفض اليوم منه يدها، تحسباً للزلازل الاجتماعية، التي يمكن أن تحصل.