السباحة هي العوم ..وتكون برغبة وإرادة واختيار ومعرفة سواء كانت على الظهر أو البطن أو التأرجح بين الطفو والغوص ..والغاية منها الرياضة والترويح عن النفس والتمتع بجمال الماء وروعته الذي جعل منه كل شيئ حي , والذي هو عصب الحياة والإستقرار قال تعالى ” ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ سورة الانبياء ..
وقد جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب “ علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ” ..
وفي هذا السياق لسان حال صندوق ” النكد الدولي” والمؤسسات المالية الرديفة له علموا عملتكم واقتصادكم والناس العوم والسباحة حتى إذا جاء زمن التعويم فتدبروا النجاة بأنفسكم .. أما اموالكم فللبنك المعلوم أضعاف ما أعطى .. وسيأخذ أمثال ذلك بتعميم الازمة والتبعية والتفقير والتحكم المتعدد الاشكال ..
فعندما قال تعالى “..وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ…” -سورة الانفال- فاعتبارا الى أن من أخطر الحروب تلك التي تأخذ منحى اقتصاديا ونقديا وترهن الحاضر والمستقبل , فالاقتصاد والعملة مكونين أساسيين للقوة الضرورية للتغلب على الجهل والأمية والتبعية والتخلف , ولاضعاف ودحر وإيقاف كل أشكال الهيمنة والإستبداد العالمي وآثاره المزعزعة للتوازن والاستقرار والتماسك الاجتماعي ..ومن هنا تحتاج الدول المستهدفة من طرف لوبيات الإحتكار العالمي للإقتصاد والثروات والأموال إلى أن تعيد بناء نفسها وتخلق إتحادات وأقطابا إقتصادية , وتقوي عملتها , وتهتم أساسا بثروتها السكانية ..
..أما عندما يتعلق الأمر بقيام المؤسسات الرسمية للدول بتعويم عملاتها فالأمر فيه خلاف وتباين كبير في الغايات بين الأطراف التي لها علاقة بتلك العملة… فمن جهة هناك طبقة الكادحين والفقراء والبسطاء الذين هم غالبية الشعب و مكون أساسي لبناء وقيام الدولة وازدهارها أو تعطل تنميتها وتخلفها ..ومن جهة ثانية هناك طبقة البورجوازية الكبرى بكل أنواعها بما فيهم الوسطاء الذين هم طرف قوي يتحكم في دورة وحركية العمليات الإقتصادية فهم من يستورد و يشتري و يوزع , وهم تبعا لذلك من يحصل على حصة الأسد من العملات والأرباح ..كما أن المؤسسات المالية الرسمية وغيرها لها دور سياسي أساسي تنعكس تبعات القرارات الصادرة عنهم أيجابا وسلبا على هؤلاء وأولائك وعليهم ..
..إلا أن العامة وأصحاب الدخل المحدود من أجراء بالقطاع العام والخاص و صغار التجار والفلاحين والحرفيين , والعاطلين والمعطلين الباحثين عن المبالغ المالية اللازمة لضمان لقمة عيش لكل وجبة أو يوم أو أسبوع أو ..هم الذين يطالهم ضرر الأزمة المرهقة في كل أحوالهم , حيث يزدادون تأزما وخصاصا دون تعويم العملة والله أعلم بأحوالهم على المدى القريب والمتوسط بعد أن ألقيت العملة في اليم , مع العلم أنها إن كانت من ورق فستتبلل وتتمزق , وإن كان معدنا فقد تغرق , اللهم إلا إذا وضعت على طوق يصمد في مواجهة الامواج والعواصف وهي تتأرجح بين مياه الشواطئ و متاهات البحار والمحيطات ..
..إن المنظرين لتلك الصناديق الدولية يوهمون الناس بأن نصائحهم ومنها التعويم هي رياضة و طقس روحي للنقود والعملات ومن ثم للاقتصاد يشبه في بركته العوم في ” حامة” مولاي يعقوب او نهر ” الغانج” في الهند أو نهر “سالي” في النيبال ..فعندما نقول عوَّمتِ حكومة ما عملةَ ما تحضر أمامنا نصائح جراحي المؤسسات المالية العالمية الإحتكارية والإستغلالية والتي تكون نتائج من تبناها ونفذ وصفاتها غير محمودة حيث عانت وتعاني من أضرارها وانعكاساتها شعوب و دول عدة في إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية ..فتصبح عرضة لاختلالات مهولة منها التضخم ..واغراق البلدان في الديون ..وممارسة الوصاية على السياسات الاقتصادية والنقدية ضدا على مصالح الدول المستهفة ..وارتفاع كلفة المعيشة .. وضعف القدرة الشرائية.. والتفكك الإجتماعي , إن تلك المؤسسات العالمية تتقن فن الإكراه والإبتزاز والإستنزاف والتحكم في الموارد والخيرات والثروات ..الخ
إن المؤكد لدينا كشعب هو أن إجراءات مثل المقايسة ..وتحرير الاسعار.. ورفع الدعم .. وتجميد الاجور .. والتضييق على الشغيلة ..وتقليص مناصب الشغل وكتلة الاجور .. تسبب في إغراقنا بدريهماتنا في الديون مع المتاجر والصيدليات وتكلفة التعلم و…فأصبحت 200 درهم من كثرة تلاطم الأمواج عليها غير قادرة على أن تحل محل 20 درهم في مرحلة السبعينات ناهيك أن يوصف من دخله 20 درهما في اليوم بأنه غير فقير .. والآن و العملة بين يدي مخترفي الشرح والإيضاح لتعليم العامة أهمية وضرورة التعويم حيث ضرب بعضهم المثل بإبراز وجه الشبه مع تقاليد و مقدمات الزواج من ..”الرشيم” إلى “الكلام” إلى “الإعلان” إلى “ضريب الصداق” .. وهنا سكت الشراح عن الباقي.. فمن سيزوج من من ..؟ وبيد من ستكون العصمة ..؟ وهل يمكن فسخ الزواج تلقائيا من أي طرف بالخلع أو بدونه .. ؟ أم أنه لاحول ولا قوة لأحد الطرفين والذي سيبقى مرتهنا باتمام الزواج أو فسخه فيكون في حكم المعلقة ..؟ وهذا المثل يصعب تصنيفه لانه ليس علميا ولا اقتصاديا ولا شعبويا ..
..إن اعتماد الليبرالية غير الاجتماعية والتي سماها اساتذتنا المتوحشة لايمكن أن تقدم إجابات عن انتظارات الناس ومطالبهم الضرورية ..بل ستتسبب في اتساع الفوارق الطبقية وفي توسع مجالات الإحتقان والتذمر..
إن تعويم العملة بترتب عليه تعويم الإنسان بإعتباره من أهم الثروات التي لايمكن أن تتقدم أية دولة أو أمة إلا بإيلائه الإهتمام والعناية والرعاية اللازمة في كل المستويات ..
وفي علاقة بقول لرئيس حكومة سابق عندما وصف الشغيلة ” بالقراد ” الذي التصق برقبة الكلب القوي فأضعفه ..وانه لحماية الكلب في سياق شرحه الغريب قال انه أزاح “القراد” دون ان يشرح للناس ما الذي يقصده بالكلب ودون أن يحدد كل أصناف وأنواع “القراد ” والأعناق التي يلتصقون بها ؟ ..ودون أن يستشير الأطباء البيطريين في موضوع /وإشكالية تعويم الكلب المليئ بالقراد هل سيؤدي إلى التخلص من القراد أم من الكلب أم هما معا ..أم سيبقى الأمر على حاله في حالة ما إذا كان “القراد” يحب الماء مثل الكلب ..؟؟؟
إنه لايرجى خير من كل تعويم غير معقلن يرتبط باحتمالات غير مضمونة العواقب والآثار تعلق الأمر بتعويم الكلام المكتوب أو الشفهي .. أو ارتبط بالسياسة و الإقتصاد ..أو بالأخلاق والقيم ..
ومن الادعية الماثورة .. “اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”
فاللهم احفظنا , وقو عملتنا و اقتصادنا , واكفنا شرور وأضرار الصناديق الدولية , وانصرنا عليهم , واغننا من فضلك , واجعل البركة في دراهمنا وأرزاقنا.. آمين والحمد لله رب العالمين.