(1)
البؤساء لايعرفون الدرهم، لكنهم يؤمنون به.. كما يؤمن الفيزيائي بالكهرباء حتى ولو لم يكن يراها.
الصعقة هي أكبر حجة على وجود الكهرباء والدرهم!
وعندما يتحدث أصحاب القرار عن تعويم الدرهم، يجد المواطنون المغاربة القدرة على السخرية من هذه العملية التي تستفز مخيالهم، أكثر مما تستحث فضولهم:فالسخرية دليل آخر على أن شيئا ما قارص ينتظرهم…
عندما تخرج الدولة الدرهم من البنوك، يسارع المغاربة به إلى الحمام..!
فهم بفعل العادة والعيش، يعرفون أنه .. مريض..
الحمام، في غالبية الحالات الشعبية للمرض، يضاهي المصحات «الكلينيك» للشفاء من نزلة البرد
من تخشب المفاصل
من الوعكات العظامية
من الكسر
وهو قسم الإنعاش أيضا بالنسبة للمصاب بضيق التنفس..! ما وراء التفكه، والإجابة بالمزاح، يقيم قسط كبير من التخوف والتوجس الذي تعبر عنه حالات الآراء المتضاربة:
مهمة أية حكومة هي الطمأنة، والحكومة عندما اتخذت القرار، تريد التطمين بأن القرار يخدم الاقتصاد الوطني..
غير أن المراقبين، حتى من كبار الاقتصاديين ومؤسسات التفكير العميق في مصير البلدان، يرون أن التطمين لا يضمن التأمين ..
أولا: عندما تكون الحكومة في موقف الدفاع عن قرار التعويم، وتعداد الحجج والمبررات، فذلك عادة لا يكون عنصر طمأنة حتى ولو هي تريد ذلك..
القرارات التي تكون عادة مقبولة ومرحبا بها، تجد الترحيب وأفق الانتظار معها من قبل حتى اتخاذها..
ثانيا: يفترض القرار فك الارتباط بينه وبين حزمة القرارات السابقة عليه، ومنها القرارات التي كانت المراكز المالية الدولية هي صاحبة اليد الطولى فيها.
طبعا سيادية القرار، بما هو قرار مؤشر عليه من طرف السلطات المالية المغربية ثابتة، بقدر ما هو ثابت أن البنك الدولي مثلا، لا يمكنه أن يصدر مرسوما بذلك….
ثالثا: الحكومة تدافع عن القرار، باعتبار أنه يخضع في تعليل نفسه، للأمل في الدفع بالتنافسية، والقدرة على المواجهة وتبويء البلاد الصدارة كدولة صاعدة، غير أن «الأسس» الاقتصادية الوطنية التي تحصن عادة التعويم، ومن ورائه التنافسية، لا يمكنها أن تسمح بتحميل الأمل مالا يجب أن يكون برنامجا أو خطة اقتصادية..
لتحصين الدرهم لا بد من تصحيح العجز التجاري، ولا يمكن أن نصححه إلا باقتصاد قوي، وهنا ندخل الحلقة المفرغة، لا بد من اقتصاد قوي لكي نستطيع تعويم الدرهم لنصل الى اقتصاد قوي!!
والحال أن العجز التجاري، لا يمكن أن نعالجه ونحن نصدر أقل مما نستورد. ثم ونحن لا نملك من العملة الصعبة ما يكفينا لتغطية مدى زمني طويل لأن المخزون مختل.
مازالت مستورداتنا، بالرغم من وجود منتوج وطني مثيل لها، تأكل من عملتنا الصعبة : نصدر الفواكه والحوامض ونستورد العصير بالعملة الصعبة
ننتج الحليب
ونستورد الأجبان
ونعتمد على النسيج ونحن لا نملك ما يكفي من قطنه وآلاته، فتسبقنا الدول الأخرى الى السوق، كما يفعل تاجر ماهر يعرف مزاج الزبناء..
رابعا: كل من تابع التفسيرات والحجج المقدمة ، من طرف مركز القرار في مالية البلاد، سيلاحظ أن اللائحة جد طويلة في ملتمسات الدفاع، لكن الغائب فيها هو الشرط الاجتماعي: لا حديث عن القدرة الشرائية، ولا عن تأثير ذلك على قفة المواطن ذي الدخل المحدود، ولا للتأثير المباشر على الوضع المتأزم حاليا، والذي تزداد مظاهره قوة من جهة الى أخرى..
(2)
كتبت لوموند في مرجعية الافتتاحية، أنه قد «اختار قاموس» «أوكسفورد» المحترم جدا مقولة «ما بعد الحقيقة»، كلمة السنة، …وهذا التعبير الذي يعني «مصطلحا له علاقة بالظروف التي تصبح فيها الوقائع الموضوعية أقل تأثيرا على تشكل الرأي العام من استدعاء العواطف والمعتقدات الشخصية»، ليس تعبيرا جديدا. فهو قد ظهر منذ اثنتي عشرة سنة تقريبا، غير أنه فرض نفسه في 2016 بفضل اقتراعين اثنين هزّا العالم وهما: استفتاء 23 يونيو حول الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) الذي قرر خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي،ثم انتخاب دونالد ترامب الفائز في رئاسيات 8 نونبر.
إن المعلومة «ما بعد الحقيقة» تعنينا جميعا، (…) كما أن التحدي الذي يمثله العهد الإعلامي ما بعد الحقيقة هام للغاية.
إن تعميم المعيار ما بعد الحقيقة، يهمنا جميعا، وأولنا الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام، سواء كانوا أوربيين أو أمريكيين أو أفارقة أو آسيويين، لأن هذا المعيار قلب رأسا على عقب المحيط الذي نشتغل فيه والقيم التي نستند عليها. ففي قاعدة عمل وسائل الإعلام توجد الوقائع التي يفترض فيها أنها تنقلها ثم التعليق عليها من بعد، والوقائع تساهم في بناء الحقيقة.
وفي هذا السياق، يحدث أن تنقل وسائل الإعلام وقائع خاطئة، وهذه الأخطاء، مبدئيا، تكون غير إرادية ويتم تصحيحها في ما بعد. أما في عهد إعلام ما بعد الحقيقة، والمسمى أيضا إعلام ما بعد الوقائع، لم تعد الحقيقة هي القيمة الأساسية، أو القيمة التي تشكل القاعدة.
والوقائع لم تعد رئيسية والشخصيات العمومية أصبح بإمكانها أن تعلن أخبارا زائفة وهي واعية بذلك بدون أي احترام للحقيقة والاستفادة من ذلك. وهكذا تم مع الرئيس القادم، دونالد ترامب، الذي شاهد بداية ازدهار ثروته السياسية، منذ سنوات، عندما أطلق «خبرا» حول الرئيس الحالي أوباما بأنه لم يولد في أمريكا، بل في كينيا بلاد والده، وهو الشيء الذي كان بإمكانه أن يضرب شرعيته كرئيس للبلاد، ولم يفعل أي شيء إلا في نهاية الحملة الانتخابية 2016، عندما انتهى به الأمر إلى التسليم، بدون الاعتذار، بأن أوباما ولد فعلا في الولايات المتحدة.. كما أن نشر عقد الازدياد الخاص بأوباما لم يمس بمصداقية الادعاءات التي أطلقها المرشح الجمهوري.. نفس المنطق اشتغل مع الإشاعة ،أو الخبر الزائف يأخذ طريقه الإعلامية إلى أن يفرض نفسه على الخطاب العام.. وبعيدا عن وسائل الإعلام، نجد أن خبر ما بعد الحقيقة يعني الفاعلين السياسيين أيضا، إما لأنهم قد يسقطون في إغراء استعماله، وإما لأنهم قد يكونون هدفا له.. وهذا يطرح تحديا أدبيا وأخلاقيا على المسؤولين عن المقاولات التكنولوجية من قبيل غوغل، فايسبوك، تويتر ،التي تنشره، وقد تأخرت كثيرا في التحرك ضده، فهذه المقاولات تساهم، ربما بدون أن تريد ذلك، في استهلاك المعلومة الطائفية عبر «فقاعات إدراكية» حيث يتقوقع كل واحد في شرنقة قناعاته الخاصة. وفي نهاية التحليل، فإن التحدي الأكبر الذي يمثله مجتمع ما بعد الحقيقة هو تحدي مصداقية الخبر الذي يوجد في قلب اشتغال الديموقراطية…وهذا التحدي يهم جميع القراء والمواطنين»..
ثانيا: ما يعاب على مشروع ماكرون،كمشروع، هو أنه اقل صرامة من قانون مماثل في ألمانيا..بدأ العمل به منذ فاتح يناير الجاري..
الواضح أن الحرص على الصرامة، في ألمانيا كما في فرنسا، في قضية الاخبار الزائفة هنا هو أفضل حليف لنا، نحن الاعلاميون ، في أي منبر نوجد..!
في الوقت ذاته، نعي بأن غير ذلك، يخدم حملات تكون البلاد كلها هدفا لها وليس النظام أو الآلة السياسية والأمنية فيه….