هبط البرادعي بطائرته مطار القاهرة في فبراير 2010 ليتم توصيل الدائرة الكهربائية، بتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير كمظلة تربط شبكة التيار الإسلامي بشبكة التيار الليبرالي الحر على طريقة مؤسسة راند والمجموعة الدولية للأزمات وبإسلام مناسب لهم كما قالها جيمس ويلزي مدير المخابرات المركزية الأمريكية عام 2006 بحضور البرادعي.
وهكذا تجمّعت كل قُوَى الظلام، وتكالب على مصر المتربصون، وتسابق العديد من أجهزة المخابرات العالمية للفوز بالجائزة الكبرى، مصر وهي في أضعف حالاتها، وجيّشت جماعة حماس الفلسطينية جيوشها المسلحة على الحدود الشرقية لمصر.
وهكذا تلبّست أرواح الدولارات الأمريكية أجساد نشطاء البرادعي، لتدفع بهم إلى حالات الصراخ الهيستيري من أجل التغيير، دون أي بديل أو برنامج أو هدف وطني واضح سوى التغيير لمجرد التغيير. لتبدأ ساعة الصفر للاحتلال المدني بعصابة البرادعي يوم 25 يناير 2011 جسر وصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر بمباركة ورعاية أمريكية خالصة.
تفككت الجمعية الوطنية للتغيير بعد يناير الأسود، وبعد أن ضرب الفساد المالي جذوره داخل جدرانه، يقول عنه حسن نافعة في سؤال له هل كانت استقالة أم إقالتك من منصبك كمنسق عام للجمعية من قبل البرادعي: «المشاكل داخل الجمعية كثرت، وخصوصًا حينما علمت أن جورج إسحاق قام بجمْع تبرعات علمتها بالمصادفة من خلال صديقة عزيزة أبلغتني بأنها قامت بالتبرع للجمعية بأموال مالية من خلال جورج إسحاق، وبصفتي كنت المنسق العام للجمعية لم يكن هناك فتح باب للتبرعات، ولم تدخل هذه التبرعات التي جمعها جورج إسحاق للجمعية، ولم يكن هناك مستند واحد يثبت أنه ورّدَها للجمعية. الأمر الذى جعلني أبلغ الدكتور البرادعي بالموقف، وهو ما زاد من حالة التوتر داخل الجمعية، ففضلت الانسحاب، وخصوصًا أن المشاكل قد وصلت لذروتها كما هي الحال داخل أي كيان سياسي يتصارع فيه السياسيون في مصر».
صحيح تحللت الجمعية ولكن ظلت أفكار البرادعي حصان طروادة فى منطقة غير مرئية تغزو العقول فالمتابع الجيد لتصريحات البرادعي بعد نكسة يناير، يمكنه أن يقف كثيرًا أمام الوثيقة فوق الدستورية، التي تقدَّم بها البرادعي إلى المجلس العسكري مقابل وثيقة علي السلمي فى النصف الثانى من سنة2011، وقد ذكر في بندها الثاني من المادة الثانية منها: حرية الاعتقاد والعقيدة وحرية المواطن في ممارسة جميع الشعائر الدينية دون ذكر كلمة السماوية، ما يعنى أننا أمام فكر برادعاوي ينادي بفتح محافل متعددة للعبادة من دون الأديان السماوية الثلاثة.
كما ذهب البرادعي لما هو أبعد من ذلك خلال مقابلة صحفية مع الأستاذ لبيب السباعي، رئيس مجلس الإدارة السابق لجريدة الأهرام عدد 17 إبريل 2011، تستوقفك دعوة صريحة منه لإعادة صياغة عقيدة الجيش المصري ليصبح قوة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والحروب الأهلية.. تلك الدعوة التي كانت مطلبًا ملحًا من الإدارة الأمريكية، وقد رفضها المشير حسين طنطاوي سنة 2008 قائلا: «إن الجيش المصري لا بد أن يظل جيشًا تقليديًّا لحماية حدود البلاد وأمنها القومي»، الأمر ذاته الذي دعَا اللواء محمد العصار نائب وزير الدفاع لشئون التسليح آنذاك إلى توجيه تصريح شديد اللهجة إلى الإدارة الأمريكية قائلا: «نحن نستطيع تغيير بوصلة التسليح المصري فى أي وقت» في إشارة قوية منه للاستغناء عن التسليح الأمريكي في حالة أي ضغوط أمريكية تجاه هذا المطلب.
لم تقتصر دعاوَى البرادعي الأب الروحي لتفكيك الجيش المصري على هذه الدعوة فحسب، بل دعا إلى وجوب أن تصبح إسرائيل لوكسمبورج الشرق، فى إشارة واضحة إلى قبول التطبيع مع الكيان الصهيونى المحتل للأراضي الفلسطينية، إذ قال تحديدًا: لو نجحت مصر فى قيادة العالم العربي المتهالك لبناء قوته الناعمة، فإن إسرائيل ستصبح في مثل موقع لوكسمبورج في الاتحاد الأوروبي.
وفي نفس المقابلة أكد البرادعي أن الدستور الألماني يعد النموذج الأمثل لمصر، وكرر دعوته مجددا بجريدة اليوم السابع عدد 5/6/2011 قائلًا: على المصريين السعي لصياغة دستور جديد مشابه للدستور الألمانى، فهو يتضمن جميع الحقوق الأساسية مثل حرية الرأي وحرية التدين.. وهي نفس الدعوة التى كررها مرارًا فيما بعد، وتزال الدهشة من اختيارات الدكتور البرادعي للدستور الألمانى خاصة حينما تعلم أن هناك موادَ في هذا الدستور تجيز الزواج المدني، زواج من خارج الملة، وهو نفس مطلب الدكتور عمرو حمزاوي(خريج معهد كرينغي التابع للمخابرات المركزية الامريكية) الذي أقر بقبوله فى أحد البرامج الفضائية، كما يمكن أن تجد فى صدر هذا الدستور البنود المخصصة للتجنيد في الجيش الألماني كتجنيد اختياري وليس إجباريًّا، ما يعني أننا لسنا أمام مجرد دعوة من البرادعي للإعجاب بالدستور الألماني، خاصًة حينما نعلم أن معظم نشطاء وثوار 25 يناير من أعضاء جمعية البرادعي، رفعوا ذات المطالب في عدة لقاءات واجتماعات ما بعد 25 يناير.
أما أخطر مواد هذا الدستور فهي المادة التى تجيز الحكم الذاتي للأقليات.. وهو ما يعني أننا أمام تقسيم ذاتي للوطن، فلا مانع من مطالبة أهالي النوبة بالانفصال بحكم ذاتي لهم. وهنا يمكن أن نسترجع من المخزون الذهني زيارة البرادعي نفسه لأهالى النوبة قبل أحداث 25 يناير بأيام قليلة، وتحديدًا في الثاني من يناير سنة 2011، والتي أثارت لغطًا كبيرًا فيما تردد عن دعوته لتدويل القضية النوبية التي أثارت حالة من الجدل، وصلت إلى إحداث انقسام في الصف النوبي.. وبعد فض اعتصام رابعة غشت2013، فجر البرادعي، نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية، قنبلة من العيار الثقيل بتقديم استقالته من منصبه، اعتراضًا على فض الاعتصام.. حيث كانت استقالته مسببة وضع فيها أسباب الاستقالة، حيث قال نصًّا: كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعي، وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني، ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه، ولا أستطيع تحمُّل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله.. فماذا عن دماء العراقيين أيها القديس من وحي واشنطن؟