قبل ان اكمل الجزء الثاني من “ورطة العمائم بطهران” لابد للقارئ  ان يطلع على تاريخ شعب يكن حقده الدفين للعرب.
دخل الفرس الإسلام وهم يضمرون العداء للعرب، بعد أن أسقط الفاروق عمر آخر عروشهم (آل ساسان)، وحولهم من ملوك وأسياد إلى موالٍ وعبيد عند العرب. وحينما تزوجت أسيرة العرب (شهربانو) بنت يزدجرد الثالث، آخر ملوك ساسان، من سيدنا الحسين، وجد الفرس أحقيتهم في الخلافة، لأن دماءهم تجرى فى عروق آل البيت، فظهر التشيع الذى تحول من مجرد عقيدة سياسية للوصول إلى الحكم إلى مذهب ديني ظل يتمحور بفرق عديدة مع كل دورة من دورات الزمن، إلى أن استقر اليوم عند فرقة الإثنى عشرية.
تآمر الفرس مع اليهود السبئيين فى مقتل الفاروق عمر، ولايزال ضريح أبولؤلؤة المجوسي مزارًا لمريديه فى طهران، ثم حاكوا الفتنة الكبرى ضد الخليفة عثمان بن عفان. وصاروا يكيدون المكائد في كل محطة من محطات التاريخ لتزعم العالم الإسلامي؛ ينشرون الفتن ويمولون الحركات الثورية، ويزرعون الشقاق داخل الجسد الإسلامي، ويدعمون المستعمر الأجنبي كوسيلة لاعتلاء الزعامة.
تحالفوا مع العباسيين لإسقاط حكم الدولة الاموية، ثم استداروا ومزقوا جسد الخلافة العباسية ، حينما استعادوا عروشهم المفقودة بالخلافة الفاطمية الموازية على مذهب الشيعة الإسماعيلية الحشاشين وطقوس الزرادشتية، فكانت الدولة السامانية الشيعية (874 م – 932 م)، التي قامت فيما وراء النهر. ودولة القرامطة فى الحجاز والبحرين، وقد سرقوا الحجر الأسود للكعبة المشرفة فأنهت القبائل العربية آخر وجود لهم عام 1076م.
والدولة البويهية فى العراق (932م – 1054م) تلك التي أحيت الشعوذة والبدع حول العتبات المقدسة. والدولة الفاطمية فى مصر وشمال إفريقيا وبلاد الشام، وقد حرقوا كتب أهل السنة فى مصر، واستبدلوا أئمة الإسلام وشيوخ المنابر السنة بموالين من الشيعة، وأسسوا للأزهر الشيعية، وسمحوا بشيوعية النساء، فالرجل تحل له زوجة أخيه، ونشروا الفسق والفجور. وحينما سمح محمد مرسي لأحمدي نجاد بزيارة الأزهر سنة 2012، ورفع علامة النصر، التى تمثل في أدبيات فارس هذين الصنمين (الصديق والفاروق) لم يجد نجادي سوى حذاء مصري عربي ينزل على فم رأسه ليعود أدراجه.
تهاوت قوة الفرس فداهمهم السلاجقة الأتراك، وأزالوا البوهيين سنة 1054م ، كما حدث للفاطميين أحفاد المجوس، حين سدد إليهم صلاح الدين الأيوبى ضربته المدوية، التي أذابت وجودهم سنة 1174 من قلب القاهرة، وكما حدث للحشاشين الفرس حين داهم الظاهر بيبرس ما تبقى لهم من قلاع في الشام فانهارت قوتهم عام 1279.
تلك كانت إمبراطوريتهم الثانية، والتي ظلت قرابة قرنين ونصف القرن، وإذ نسترجع اليوم كلمات قائد فيلق القدس في الحرس الثورى الإيراني (قاسم سليمانى)، حينما قال: إن إيران استطاعت أن تصدر ثورتها الإسلامية من البحرين للعراق، ومن سوريا إلى اليمن وشمال إفريقيا، فاعلم أنه يتحدث عن مناطق نفوذ الخلافة الفاطمية القديمة.
خرج من رحم السلاجقة الأتراك، آنذاك، قبائل الخوارزمية التركية، التى استلمت راية الدفاع عن الدولة العباسية، وقضت على ما تبقى من بلاد فارس بعد أن أنهكت المعارك الطرفين، وكانت سببًا فى ضعف الخوارزميين، الأمر الذي مكن غزاة المغول من الدخول السهل عبر إيران إلى العالم الإسلامي.
في البدء تحالف الفرس مع المغول ضد الخلافة العباسية سنة 1253م، وسرعان ما انقلب عليهم المغول سنة 1265م.
بزغ نجم العثمانيين وحلوا محل المماليك في زعامة العالم الإسلامي. وفى تلك الأجواء استعاد الفرس إمبراطوريتهم للمرة الثانية بالدولة الصفوية الشيعية في إيران  (1502 -1736م)، للتآمر مجددًا على الإسلام. وفي سنة 1510م تحالف إسماعيل الصفوي، حاكم إيران، مع البرتغال للهجوم على مصر من جبهتين، البحرية تقوم بها البرتغال، والبرية يقوم بها جيشه، لكن يقظة السلطان الغوري حالت دون ذلك.
وفى سنة 1515 تحالفت إيران مع البرتغال لضرب العثمانيين، وكان ضمن بنود الحلف زحف مشترك على القدس والقاهرة. فلا مجال اليوم لمن يتشدق بأن سقوط النظام الإيراني يخدم إسرائيل.
وفي سنة 1548 انتهز شاه إيران، طهماسب الصفوي، فرصة انشغال السلطان العثماني سليمان القانوني بحروبه فى أوروبا ضد شارلكان، إمبراطور إسبانيا، وعقد معه حلفًا، ثم دارت الدائرة عليه، حين قرر سليمان القانوني الاستدارة إليه، وهزمه ودخل تبريز عاصمة الصفويين.
وفي سنة 1603 أثناء انشغال السلطان العثماني محمد خان الثالث بمعاركه مع النمساويين، نما إلى علمه أن هناك تحالفًا سريًا بين الشاه عباس الصفوي وإسبانيا والبندقية وإنجلترا. فكاتبه، قائلًا: توهمت أنك تستطيع أن تغافل سلطان العالم وخادم الحرمين.. هيهات.
بدأ الترنح على الدولة الصفوية فى عهد القاجاريين، الذين حكموا فارس من 1795 حتى 1916، وجاء سقوط الدولة العثمانية متزامنًا مع نهاية حكمهم؛ فقد ألغيت الخلافة العثمانية في سنة 1924، ولاتزال السلطة بيد القاجاريين، وكان الشاه هو أحمد، ولكن السلطة الفعلية كانت بيد رضا بهلوي، فكان عهد الأسرة البهلوية، والتى دام حكمها 65 سنة.
وقد استبدلت هذه الأسرة اسم الدولة الصفوية بدولة إيران (العلمانية)، إلى أن هبط الخوميني على متن طائرات الغرب سنة 1979، ليعلن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعصمة الأئمة، الذين لا يأتيهم الباطل لا من أمامهم ولا خلفهم، وبمقولته الشهيرة «إذا كان العرب قد حكموا هذه المنطقة لقرون والأتراك حكموها لقرون، فلماذا لا تحكمها إيران لقرون مقبلة». وقد فاجأنا رافسنجاني فى رده على بوش الابن، بقوله: “لولا إيران ما دخلت أمريكا أفغانستان والعراق”.
السبت 13يناير 2018./25 ربيع الثاني 1439.هج

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…