لا يمكن للتظاهرة الاحتجاجية التي نظمها فنانون مغاربة، من قطاعات السينما والمسرح والفنون الأخرى، أن تَمُرّ وكأن شيئا لم يكن، نظراً لحساسية الملف، ولقيمة الأسماء التي شاركت في الوقفة الاحتجاجية التي نظمت أمام البرلمان، ونظراً أيضا لقوة الحجج التي قدموها في تصريحاتهم وفي لقاءاتهم.

المشهد الأول، في هذه التظاهرة، هو أن من يتقدمها هم ممثلون مخرجون ومبدعون، كبار، قدموا للإنتاج المغربي، في السنوات السابقة، أفضل ما عُرٍضَ لحد الآن، على مختلف المستويات، في السينما والمسرح والرقص التعبيري، وغيره من الفنون والإبداعات.

المشهد الثاني، الشعارات التي رفعوها والتصريحات التي قدموها، لم تكن سوى تعبيراً صريحاً وقوياً عن مشاكل وقضايا وملفات، سبق أن أثيرت في الصحافة وفي عدة تقارير، كما سبق أن أثارتها هيئات نقابية وجمعيات، تشتغل في قطاعات الثقافة والفن والإعلام.

المشهد الثالث، وهو الذي قد يتبادر إلى ذهن المواطن، وهو يشاهد هذه التظاهرة، إذ ربما سيعتقد، وهو يرى ممثلين كبارا أمام البرلمان، أَن الأمر يتعلق بتصوير مشهد من فيلم، إذ لا يعقل أَن يكون النجوم، كعدد من الفئات الأخرى، واقفين يرفعون لافتة، للمطالبة بالحقوق، بل إن مكانهم «الطبيعي» هو الأستوديوهات والمسارح وقاعات العرض…

إنه مشهد سريالي، يختلط فيه الواقع بالخيال، غير أن واقعيته أشدّ وأمرّ، تعكس أزمة السينما والإبداع في المغرب، بسبب غياب أية استراتيجية عمومية في هذا المجال، فما هنالك سوى ميزانيات تُصْرَفُ بشكل «عشوائي»، بين القنوات العمومية، على الخصوص، وبين وزارة الاتصال والثقافة، دون أي تقييم أو مراجعة أو محاسبة.

لقد تناوب على وزارتي الاتصال والثقافة، منذ سنوات، مسؤولون، لم يقدموا أي شيء يذكر لهذه القطاعات، كما أن الحكومات المتعاقبة، تعاملت معه بمنطق الزائدة التي لا منفعة ولا مصلحة من ورائها، متجاهلة ما يجري في العالم من حولها، في عدد من البلدان، التي جعلت منه رافعة للتنمية ووسيلة ناجعة للتربية والارتقاء بأذواق ومعارف وثقافة المجتمع والمساهمة في الحضارة الإنسانية، بالإضافة إلى نشرها لقيمها وتسويق صورتها، علماً أنها كذلك صناعة تُدِرّ ملايير الدولارات، وتنافس الصناعات الأخرى، الأكثر تطوراً.

بل أكثر من ذلك، فإن التكنولوجيات الحديثة، فتحت لهذه القطاعات، مجالات جديدة للانتشار والتطور وزيادة الدخل، غير أن معالجة هذه القضايا، لا يمكن أن تُتْرٓكَ لمنطق السوق وجشع الشركات الخاصة والمشاريع العشوائية، بل إنها مسؤولية السياسات العمومية، التي لا حق لها في إهمال المنتوج الثقافي والفني والإبداعي، لأنها بذلك تهدد التقدم الحضاري للمغرب.

 

الجمعة 12 يناير 2018./ 24 ربيع الثاني 1439.هج

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…