بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قاد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق،  انقلابا مدنيًا على الشاه وأطاح به من الحكم.وأعلن عودة عائدات النفط لشعبه، فتم الدفع بعميل المخابرات المركزية الأمريكية (كيرميت روزفيلت) لتنفيذ انقلاب ناجح ضد مصدق،أعترفت المخابرات المركزية سنة 2013 بضلوعها في عملية الإنقلاب (عملية أجاكس).
استرد محمد بهلوي العرش مجددًا حتى فقده سنة 1979 في أعقاب الثورة الإسلامية، بتدبير من المخابرات الفرنسية – البريطانية – الأمريكية، ليتغير اسم الدولة مجددا من إيران إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت ولاية الفقيه.
أنذاك كان الإسلاميون يفقدون نفوذهم بشكل متزايد لصالح التيار الماركسي المسيطر على الشارع الإيراني والذي اتهم الثورة بالعمالة للغرب، مما دفع الخوميني إلى تبني خطاب مناهض للإمبريالية. وقد دبر حادث رهائن السفارة الأمريكية في طهران بعد عام من الثورة  للاستحواذ على شعلة العداء الأمريكي من اليساريين.
ذلك أن الجمهورية الإسلامية في إيران دخلت في عدائها الظاهري مع أمريكا، من باب ضبط المصطلحات داخل المكون الإيراني للقضاء على معارضي الجمهورية من التيار الماركسي وترسيخ حكم الخوميني.
فالولايات المتحدة من قدمت السلاح لإيران إبان حرب الخليج الأول (فضيحة إيران – كونترا). وإيران تحت حكم ولاية الفقيه من تحالفت مع أمريكا في غزوها لأفغانستان عام 2001. فالتنسيق قائم مع أمريكا ولا قلق من ناحية إيران، كما قال كولين باول قبل الغزو الأفغاني بستة أشهر”إيران لا تشكل خطرًا على المصالح الأمريكية في المنطقة”.
وبعد قرابة العامين على الغزو الأفغاني عاد أحفاد الصفويين للعب نفس الدور مع الأمريكان أثناء وبعد الغزو العراقي. وحينما اتهم بوش الابن، إيران بمساندة الإرهاب، رد عليه رافسنجاني قائلًا: لولا إيران ما استطاعت أمريكا دخول العراق وأفغانستان.
دارت الأيام دورتها وانقسم الشارع الإيراني بين تيار المحافظين بزعامة الخامنئي، وتيار الاصلاحيين الذي يتزعمه اليوم الرئيس حسن روحاني؛ وهو تيار أغلبه لم يعش أجواء الثورة الإيرانية ولم يتأثر بها ولا يعير لإيدلوجيتها أي أهتمام بقدر تشوقه للانفتاح على الغرب وإقامة علاقات جيدة مع أمريكا.
روحاني وعد الشعب الإيراني بإصلاحات اقتصادية وثقافية بعد توقيعه على الاتفاق النووي الإيراني والإفراج عن (150 مليار دولار) عوائد صادرات النفط المجمدة في بنوك الغرب. ولكن البطة العرجاء لا تضع السياسات العامة لنظام الجمهورية، فمنوط بها الخامنئي نفسه الذي وجهه ثروات شعبه للمشروع الفارسي التوسعي، وتركهم للفقر والبطالة؛ فحزب الله في لبنان على سبيل المثال كان يتلقى من أموال الإيرانيين (220 مليون دولار) أرتفعت القيمة إلى ( 833 مليون دولار) و الحوثيون تنفق عليهم مليارات الدولارات بعد إبرام الإتفاق النووي.
صحيح انقلب الشارع على روحاني نتيجة تدهور مستوى المعيشة بإيعاذ من الخامنئي نفسه، لكن سرعان ما أمتدت التظاهرات من مدينة (مشهد) إلى كرمنشاه وطهران وأصفهان حتى طالت عشرات المدن تطالب بالخلاص من الخامنئي نفسه. كلا التياريين يتوارى خلف المشهد إنتظارا للحظة المناسبة التي يوجه فيها غضب الشارع لصالحه.
الوجه الأخر من التظاهرات: الخامنئي كشف عن نيته التعامل بعملة (اليورو) بديلًا عن (الدولار) في صادراته النفطية، فركب الجواد الذي تهاوى من فوق ظهره صدام حسين، ليتلقى نفس عقاب رئيسة البرازيل ديلما روزيف عام 2014،حينما أعلنت رغبتها في القضاء على هيمنة الدولار الأمريكي، فرحلت بثورة ملونة من تدبير المخابرات المركزية الأمريكية.
كما أفصح الخامنئي عن قرب انضمامه للاتحاد الاقتصادي الآوراسي بقيادة روسيا، فحظى بكتالوج جين شارب لصناعة الثورات مثلما نالها الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش حينما منحته المخابرات المركزية الأمريكية النسخة الخاصه به من الثورات الملونة فور إعلانه تجميد أنشطة أوكرانيا مع الاتحاد الآوربي والانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الآوراسي.
وعلى الرغم من خطاباته التي اتسمت بالعنف ضد إيران خلال حملته الانتخابية، إلا أن أبرز مافعله دونالد ترامب بهذا الخصوص، هو استبعاد جميع مستشاريه المعادين لإيران، أمثال(إليوت أبرامز) عراب ثورة إيران عام 2009، (إزرا كوهين)مدير برامج الاستخبارات في مجلس الأمن القومي لإدارة ترامب حينما كشف عن رغبته في استخدام أنشطة سرية لإسقاط الحكومة في طهران.
أما مايك بومبيو، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية المعروف بعدائه لإيران  فهو الوحيد الذي نجا من الاستبعاد، ما يعني أن هناك حدود مرسومه لترامب في تعامله مع الملف الإيراني.
وفي مقابل ذلك، أوكل ترامب منصب رئاسة مكتبه، ووزارتي الدفاع والخارجية لأشخاص مؤيدين لإيران.
ترامب نشر تغريدة يوم 23 أكتوبر الماضي كتب فيها: “لن ننسى يا حزب الله”، بالتزامن مع ذكرى تفجيرات حزب الله لمقر قوات حفظ السلام ببيروت والتي راح على أثرها (241)أمريكي، (58)فرنسي.
ما يفسر سر تعيينه (مايكل د اندريا) ضابط الاستخبارات المركزية لإدارة عمليات الوكالة الإيرانية! اندريا مهندس عملية اغتيال عماد مغنية، رئيس العمليات الدولية لحزب الله سنة 2008. بعدها أدرج ترامب الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية لأول مرة في تاريخ أمريكا.
إذن المقصود تقليم أظافر إيران بالخلاص من جماعة حزب الله بلبنان، وتقويض دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق واليمن وهذا ما سيحدث فعليًا بغض النظر عما ستسفر عنه التظاهرات المشتعلة في إيران، وربما نرى على المدى المتوسط ثورة عراقية مجددة من قلب ميدان التحرير ببغداد ترفض حكم العمائم السوداء والبيضاء وتفك قبضة إيران عن العراق الولاية رقم 32 لنظام الخامنئ.
الخميس 11 يناير 2018./23 ربيع الثاني 1439.هج

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…