قبل بضعة أيام كان للعالم موعد مع رحيل سنة وميلاد أخرى، وهكذا حزمت سنة 2017 حقائبها وانسحبت تاركة عديد الأحداث والوقائع، منها المفرح والسار الذي أبهج الشعوب، ومنها المؤلم والضار الذي أدمى القلوب. واستقبل الناس سنة 2018 في أجواء من التفاؤل، بإقامة حفلات وإحياء سهرات تحت استنفار أمني واسع. حيث أن هناك من تبادلوا الهدايا، وهناك من اكتفوا بالتعبير عن أمانيهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

      وكيفما كان الحال، لن أبيح لنفسي إصدار أحكام جزافية والقول بأنها كانت الأسوأ أو الأقل سوءا مما مضى من سنوات، ولا أنها الأفضل أو بين بين، وسأترك مجال التقييم مفتوحا في وجه الجميع، لينظر لها كل واحد من زاويته. فقد يحدث أن يكون ما أراه قبيحا، مليحا في عيون آخرين. لكن هذا لا يمنع من أن نتساءل جميعا إن كان صناع القرار والموظفون في مختلف المواقع، ورجال المال والأعمال والفاعلون السياسيون والنقابيون وسائر فعاليات المجتمع… سيقومون باستنتاج الخلاصات مما عرفته بلادنا خلال سنة 2017 من أخطاء وسلبيات، والعمل على محاولة تصحيحها وتجاوزها، وما حققته من إنجازات ومكتسبات والحرص على تعزيزها وحسن استثمارها، أم سيستمرون في مراكمة النقائص والانكسارات، وحصد المزيد من الخيبات والانتكاسات؟

      وقبل استعراض بعض وقائع السنة المنقضية، التي استأثرت باهتمام الرأي العام وهزت المشاعر، لا بد من الإشارة إلى القرار الأحادي الأرعن، الذي أقدم عليه الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب، باعترافه يوم 6 دجنبر 2017 بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وعزمه نقل سفارة واشنطن إليها، وما أثاره من سخط. وحيث أننا لا نملك من سلاح عدا إيماننا القوي بعدالة قضية الشعب الفلسطيني الأبي لمواجهة الغطرسة الصهيو-أمريكية، فإننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى توسيع رقعة الاحتجاجات في المدن والعواصم، والضغط على الحكومات لإسقاط القرار الجائر.

      فرغم ما شهدته سنة 2017 من فشل للسياسات العمومية، استطاع المغرب تحقيق انتصارات هامة بمجهودات خاصة، لم يساهم المسؤولون في صناعتها: انتصار سياسي على خصوم وحدته الترابية، بعودته الميمونة إلى أحضان عائلته المؤسساتية بالاتحاد الإفريقي يوم 30 يناير 2017، خلال الدورة 28 للقمة الإفريقية المنعقدة بأديس أبابا، عقب موافقة 39 دولة من أصل 54 على طلبه، بفضل حكمة ودبلوماسية الملك محمد السادس وزياراته المكوكية لأكثر من 20 بلدا إفريقيا، توجت بعقد اتفاقيات شراكة مهمة في عدة مجالات. بعد قطيعة دامت 33 عاما، لانسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك في شتنبر 1984، احتجاجا على قبولها عضوية “الجمهورية الصحراوية” الوهمية.

      وانتصارات رياضية كبرى منها: انتزاع المنتخب الوطني لكرة القدم التأهيل إلى كأس العالم بروسيا في صيف 2018 من قلب العاصمة الإيفوارية أبيدجان، بتغلبه على منتخب “الفيلة” بإصابتين نظيفتين يوم 11 نونبر، بعد غياب دام عشرين سنة. تتويج فريق الوداد البيضاوي يوم 4 نونبر بلقب بطل إفريقيا على حساب فريق الأهلي المصري. ثم إحراز فريق الجمعية السلاوية لكرة السلة يوم 21 دجنبر  لقب بطل إفريقيا، بفوزه على فريق الاتحاد الرياضي الرادسي بمدينة راديس التونسية.

      وفي المقابل هناك أحداث مروعة ومثيرة للجدل طبعت سنة 2017 كجريمتي القتل بالرصاص، اللتين ذهب ضحية الأولى نائب برلماني خلال شهر مارس بالبيضاء على يد مستشار جماعي بتواطؤ مع زوجة القتيل. والثانية بمقهى وسط مراكش أودت بحياة طالب جامعي في نونبر. وحدوث ما سمي ب”البلوكاج الحكومي” الذي قاد الملك إلى إعفاء عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل حكومته الثانية، لإخفاقه في إقناع حلفائه المفترضين بعروضه على مدى ستة شهور، وتعويضه بسعد الدين العثماني. عقبه “الزلزال السياسي” الذي تم بموجبه إعفاء ومعاقبة وزراء وموظفين سامين و”إعدام سياسي” في حق وزراء سابقين، لثبوت مسؤوليتهم في تعثر تنفيذ برنامج “الحسيمة منارة المتوسط”. وما لحق ذلك من ارتدادات دكت رؤوس”180″ مسؤولا من مختلف الفئات بأم الوزارات.

      وفضلا عما سلف، فهي سنة الغضب الشعبي بامتياز، إذ بزغت شمس أول أيامها على حراك الريف، الذي انطلقت شراراته الأولى في أواخر أكتوبر 2016 بمصرع السماك محسن فكري، لتعم الاحتجاجات إقليم الحسيمة، وتستمر شهورا تحت حصار أمني مشدد ومواجهات عنيفة، نجمت عنها إصابات خطيرة، موت أحد النشطاء متأثرا بجروحه واعتقالات واسعة، ومازالت المحاكمات جارية… كما عرف إقليم زاكورة في شتبر مظاهرات ومسيرات احتجاجية لشجب “أزمة العطش”. ثم ظهرت فجأة فاجعة جماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة، معلنة عن مصرع 15 امرأة إثر تدافع شديد أثناء توزيع مساعدات غذائية يوم 19 نونبر. فانتفاضة آلاف الأساتذة في مسيرة حاشدة يوم 3 دجنبر بالرباط، تنديدا بتنامي ظاهرة العنف ضدهم من قبل تلامذتهم… ورحلت سنة 2017 على إيقاع حراك إقليم جرادة، جراء مقتل شقيقين تحت أنقاض بئر للفحم الحجري، بحثا عن كسرة خبز سوداء.

      إننا نأمل أن تستخلص العبر من “الزلزال السياسي”، الذي فضح تخاذل عديد المسؤولين والموظفين، وكشف عن فشل الأحزاب في أداء وظائفها والتدبير السيء للشأن العام من لدن الطبقة السياسية، التي ثبت عجزها عن الرد على أسئلة المواطنين، لانعدام روح المواطنة والشعور بالمسؤولية لدى الكثيرين. والمغاربة ليسوا بحاجة إلى “إسكافيين” أو “إطفائيين”، بل إلى مسؤولين حقيقيين قادرين على أن يوفروا لهم العيش الكريم والعدالة الاجتماعية وفرص شغل حقيقية، ردم الفوارق الفئوية والمجالية، رد الاعتبار للمدرس والمدرسة العمومية، محاربة الفساد والنهوض بالخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة… فماذا أعدت حكومة العثماني من مخططات تنموية لعام 2018؟

 

الثلاثاء 09يناير 2018./ 21 ربيع الثاني 1439.هج

 

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…