…لابد لنا ان نعرف تاريخ الإيرانيين تاريخيا ومن هم الآن وما هو هدفهم؟
ماذا يمثل اليمن بالنسبة لإيران أو تحديدا للامبراطورية الفارسية القديمة ؟
ظلت اليهودية حاضرة في اليمن حتى نشوء المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية وقد امتد نفوذها إلى الحبشة (إثيوبيا) التي تمكنت من الاستيلاء على اليمن سنة 340م فانتقلت المسيحية لها. لم يدم حكم الأحباش طويلًا حيث قاوم اليمنيون الوجود الحبشي. وفي عهد ذي نواس الحميري، جرى اضطهاد أتباع الديانة المسيحية وإبادتهم، فحُفر للنصارى الأخاديد وحرقوا فيها جميعًا، وقد خلد القرآن قصتهم في سورة البروج.
بلغ الأمر ملك الروم فبعث إلى ملك الحبشة يستحثه على نصرة أتباع المسيح. وبالفعل بعث ملك الحبشة جيشًا على اليمن بقيادة «أرياط»، فدخل اليمن واحتله سنة 525، ومكث الأمر على ذلك حتى اغتال أبرهة، أرياط ، وتولى الحكم بعده وقد كُتب هلاك أبرهه في حادثة هجوم جيشه على الكعبة. وخلدها القرآن الكريم في سورة الفيل.
لم يدم حكم الحبشة بعد هذا الحادث طويلًا، فقد استنجد أهل اليمن بالفرس عبدة النار الذين قضوا على سلطان الأحباش في اليمن سنة 575م، لتصبح اليمن فيما بعد في حكم الفرس، وتعاقب عليها ولاة كسرى حتى وليها «باذان» الذي أسلم سنة 628م مع بقية الأبناء.
إذن من المنظور الفارسي تتعامل إيران اليوم مع الملف اليمني بمنظورها التاريخي حينما كان اليمن ولاية خاضعة للإمبراطورية الفارسية، وحينما يشرع الخامنئي في إحياء الإمبراطورية الفارسية، فبالتأكيد اليمن جزء من هذا المشروع التوسعى بحكم التاريخ والجغرافيا الفارسية .
استقل شمال اليمن عن الامبراطورية العثمانية 1849 ومع سقوطها سنة 1918 عادت المملكة الزيدية في اليمن مجددًا، بأمامه «يحيى حميد الدين المتوكل»، الذي أراد التوسع بالمملكة حتى اليمن الجنوبي حيث سلاطين ومحميات عدن تقع تحت الاستعمار البريطاني الذي أنشأ إمارة الأدارسة كدولة حاجزة فى عسير وجازان، فحاربهم المتوكل وأستولى على الإمارة، فعقد الإدريسي معاهدة حماية مع الملك عبد العزيز آل سعود الطامح في ابتلاع الأمارة، فاندلعت حرب 1932 بين جيوش المتوكل والأدارسة من جهه والسعودية من جهة أخرى، وقعت على اثرها أتفاقية الطائف 1934 التي رسمت الحدود بين اليمن الشمالي والسعودية وذهبت عسير وجازان للملكة السعودية .
25 سبتمبر 1962 قاد عبد الله السلال والظباط الأحرار إنقلاب ضد الإمام محمد البدر تيمناً بثورة عبد الناصر في القاهرة وسقطت الإمامة الزيدية في شمال اليمن وتحولت للجمهورية اليمنية. ثم درات الأيام دورتها وتحولت بقايا المملكة التوكلية ذات المذهب الزيدي المعتدل إلى حركة شيعية تميل إلى المذهب الاثنى عشرية لولاية الفقية بإيران، ولكن كيف حدث هذا؟.
محافظة صعدة تشهد أكبر تجمعات الزيدية في اليمن، وفي سنة 1986 تم تأسيس اتحاد الشباب كهيئة تدرس المذهب الزيدي وكان بدر الدين الحوثي من كبار علماء الزيدية آنذاك من ضمن المدرِّسين في هذه الهيئة. وقد دخل في خلاف كبير مع علماء الزيدية حول فتوى تاريخية تقضي بأن شرط النسب الهاشمي للإمامة صار غير مقبول اليوم،وأن الشعب يمكن له أن يختار مَن هو جدير لحكمه دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين رضي اللـه عنهما، وهذه الفتوة تنسف فكرة ولاية الفقيه في إيران من اساسها.
اعترض بدر الدين الحوثي على هذه الفتوى بشدة خاصة أنه من فرقة الجارودية، وهي إحدى فرق الزيدية التي تتقارب في أفكارها نسبيًّا مع الاثنى عشرية التي تشترط النسب الهاشمي للإمامة.
تطوَّر الأمر مع بدر الدين الحوثي إذ بدأ يدافع بصراحة عن المذهب الاثنى عشرية، بل إنه أصدر كتابًا بعنوان «الزيدية في اليمن» يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثنى عشرية ونظرًا للمقاومة الشديدة لفكره المنحرف عن الزيدية، اضطر الحوثي للهروب إلى طهران، حيث عاش هناك عدة سنوات قبل أن يسمح له الرئيس القتيل علي عبد الله صالح بالعودة إلى اليمن عبر وساطة قبلية، وعلى الرغم من ترك بدر الدين الحوثي للساحة اليمنية فإن أفكاره بدأت في الانتشار خاصة في منطقة صعدة والمناطق المحيطة مع نهاية التسعينيات وتحديدًا منذ سنة 1997. وكان التغلغل الإيراني في المجتمع اليمني قد نفذ من حاله الصدع في العلاقات بين دول الخليج واليمن نتيجة موقف علي عبد اللـه صالح من حرب الخليج الثانية عام 1991، ومع حالة الانفتاح السياسي الذي ساد اليمن بعد توحيد شطريه، بدأ النشاط الإيراني داخل اليمن عبر بعض المراكز الطبية التي كانت تمثل واجهة للمخابرات الإيرانية ورجال الحرس الثوري الإيراني لدعم الحركة الحوثية عسكريًا خاصةً في الفترة التي شهدت مواجهات مسلحة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وقد أعلنت الحكومة اليمنية آنذاك مصادرة أسلحة إيرانية بحوزة مسلحي الحوثي.
بعد انتفاضة 2011 استأجرت إيران بعض الجزر الإريترية المطلة على الجانب الآخر من البحر الأحمر من الشمال الغربي لليمن، وفتحت معسكرات تدريب لمقاتلي الحوثي، وحينما تم توصيل الدائرة الكهربائية وانقلب الحوثي على الشرعية في غشت 2014، قامت إيران بتهريب السلاح من مخازن الجزيرة عبر مراكب صيد إلى الحوثيين في صعدة قبل زحفهم للاستيلاء على محافظة عمران ومن ثمة العاصمة صنعاء.
لم يقتصر الدور الإيراني في دعم الحوثيين على تهريب السلاح أو تدريب الحوثيين على شواطئ جزر إريتريا، بل كان هناك نقل للخبرات العسكرية الإيرانية والتدريبات الشاقة من قبل رجال حسن نصر اللـه لمقاتلي الحوثي، بالإضافة إلى سفر العشرات من الحوثيين إلى إيران ولبنان للتدريب.
الحرب بالوكالة على رقعة شطرنج مناطق النفوذ القديمة للفرس بين طهران والرياض لم تستمر طويلًا في اليمن بعد أن أجبرت بيادق الخامنئي بحركة «كش ملك» الرياض على استخدام آلتها العسكرية بعاصفة الحزم مارس 2015.
استمرت عمليات تهريب السلاح الإيراني للحوثيين حتى بعد بدء العمليات العسكرية التي شنتها دول الخليج ضد معاقل الحوثيين، رغم الحصار البحري المفروض على مرور السفن عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب من قبل قوات التحالف.
هكذا نجحت طهران في لبننة اليمن، وهكذا ترغب في إطالة أمد الحرب اليمنية لزعزة أمن الخليج، وكما قال النائب الإيراني عن ولاية طهران علي رضا زاكاني بعد سقوط صنعاء بقبضة الحوثي «الآن ثلاث عواصم عربية باتت بيد إيران، بيروت ودمشق وبغداد- وقبل أيام لحقتها رابعة هي صنعاء». وذهب لأبعد من ذلك بقوله: إن ثورة الحوثيين في اليمن امتداد للثورة الخمينية.
وبعد معركة حلب وخروج المملكة السعودية خالية الوفاض، هل ستكشف الأيام القادمة عن صفقة مقايضة دمشق بصنعاء بوساطة روسية بعد تحييد لبنان؟ أم ستتحقق نبوءة حسن نصر الله حينما حذر من أطاله أمد الحرب في اليمن، ربما يدفع إيران لتغيير بوصلتها إلى الشارع الخليجي، وخاصة في البحرين والكويت؟ ما يعنى مدا لقوس الأزمات فى المنطقة.