في مثل هذا اليوم، من سنة 1992، توفي الفقيد، القائد الوطني الاتحادي، عبد الرحيم بوعبيد، بعد عُمْر قضاه كله في الكفاح، منذ أن كان شاباً يافعاً، ولم يتوقف أبداً عن النضال ولم يتقاعد أو يخلد للراحة، إلى آخر يوم من أيام حياته، غير أنه بالإضافة إلى هذا، فقد شٓكّلٓ مدرسة في السياسة والديمقراطية، في ظروف معقدة جداً، تخطى فيها صعوبات وتحديات، سواء في النضال من أجل الاستقلال أو بعده.
وبالإضافة إلى الاعتراف الذي ناله من النخبة ومن الأحزاب الاشتراكية عبر العالم، ومن الكتاب والصحافيين، وطنيا ودولياً، فإن التكريم الذي حظي به من طرف الشعب المغربي، خلال تشييع جنازته، كان منقطع النظير، وقد وصفته الصحافة الدولية المعتمدة آنذاك، في المغرب، بأنه استفتاء شعبي من أجل الديمقراطية.
وإذا كان من غير الممكن، في هذا المقام، الإحاطة بالشخصية الفذة والتجربة الرائدة، لمثل هذا الزعيم، الذي كان متواضعاً ويرفض الزعامة ومظاهرها الفجة، فإنه سيكون من المفيد جداً دراسة مثل هذه الشخصيات، من طرف الدارسين والباحثين، نظراً لما قدمته من دروس في النضال الديمقراطي.
وفي قراءة سريعة لمسار الفقيد الكبير، يمكن الوقوف عند مواقفه ومبادراته الحاسمة، في كل المحطات الصعبة، التي اجتازها المغرب، في الكفاح من أجل الاستقلال، حيث كان دوره كبيرا، في المفاوضات التي قادت إلى التوقيع على اتفاقية إيكس ليبان، في وقت كان لا بد من إيجاد منفذ للخروج بمقترحات قابلة للتنفيذ.
وبعد الاستقلال، واصل النضال، إلى جانب القوى الشعبية، رغم أن الأبواب كانت مفتوحة أمامه ليتبوأ مكانة خاصة في دواليب الدولة، بحكم تاريخه والأدوار الرائدة التي لعبها وتفوقه السياسي والثقافي، غير أنه فضل الوفاء للديمقراطية، التي نذر لها كل حياته.
التزاماً بهذا الوفاء واجه الفقيد، كل الظروف الخطيرة التي ميزت ما يسمى بسنوات الرصاص، التي تعرض فيها للاغتيال والاختطاف والسجن والنفي والتعذيب والتنكيل، مئات المناضلين الاتحاديين وغيرهم، فأغلقت المقرات الحزبية، على قِلَّتِها، واضطر العديد من المناضلين اللجوء للسرية والتخفي، وسادت أجواء الترهيب، كما لجأ البعض إلى التواطؤ، غير أن الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد، رفقة مناضلين آخرين، واصلوا الكفاح، تحت نيران القمع.
كانت النتيجة هي عطاء كبير على المستوى الفكري والسياسي، وبناء حزب اشتراكي قوي وأداة نقابية ضاربة، ووفاء لتاريخ مجيد من أنصع الصفحات في تاريخ الشعب المغربي، لعب فيها هذا القائد المثقف، الأنيق، الزاهد، المتواضع، دوراً محورياً جمع فيه بين الواقعية والالتزام بالمبادئ، ونجح في الالتزام بتوازن لا يتقنه سوى الزعماء الحقيقيون.
الاثنين 08 يناير 2018./20 ربيع الثاني 1439.هج
–