توجد جبهة «البوليساريو» اليوم في مأزق لم تعرف له من قبل مثيلا، فحالات الاحتقان التي تتسع يوما بعد يوم في مخيمات تندوف وسط السكان بل وحتى في أجهزة هذا الكيان الانفصالي، وتراكم الهزائم الدبلوماسية وانحسار علاقات الجبهة وجمهوريتها الوهمية وتآكل خطاباتها وشعاراتها، جعلت صنيعة الجزائر معزولة تتخبط في رمال الحمادة وتغوص في أزمة بنيوية تضرب مؤسساتها الأفقية والعمودية.
وبشكل مفضوح تسعى «البوليساريو» أمام حالات الاحتقان هاته والانتكاسات الدبلوماسية المتتالية إلى التهديد بخيار الحرب، وهي تعرف قبل غيرها أن عناصرها العسكرية لا تملك القدرة اللوجيستيكية ،تجهيزا وعتادا، ولا المعنوية، واقعا وأفقا، للمضي في هذا الخيار. وقد لجأت في الآونة الأخيرة إلى اعتماد خطاب يدعي بأنها استنفرت «مناطقها» العسكرية وعبأت «فيالقها» المسلحة ونظمت استعراضات وعقدت اجتماعات، والحقيقة أن هذا الخطاب المشبع بمصطلحات حربية يهدف إلى التخفيف من أوضاع التوتر بالمخيمات.
وبموازاة ذلك أقدمت عناصر «البوليساريو» في الأسبوع الماضي على استفزاز حركة المرور المدني والتجاري بمنطقة الكركرات وعرقلتها، وهي عملية ابتزاز للأمم المتحدة وأمينها العام ومبعوثه الشخصي أسابيع قبل تقديم التقرير الدوري عن الصحراء أمام مجلس الأمن، وقد كان موقف انطونيو غويتريس، أول أمس، واضحا وحازما من خلال بيان له عبر فيه عن «قلقه بشكل عميق إزاء التوترات الأخيرة المتزايدة في المنطقة المجاورة للكركارات في المنطقة العازلة». داعيا إلى «ضرورة عدم عرقلة حركة المرور المدنية والتجارية العادية وعدم اتخاذ أي إجراء قد يشكل تغييرا في الوضع الراهن».
كما أن المغرب أعلن، وعلى لسان ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة، أن المملكة تدين بشدة هذه الأعمال الاستفزازية المتكررة التي تقوم بها «البوليساريو»، والتي تنتهك الاتفاقات العسكرية، وتهدد وقف إطلاق النار القائم منذ سنة 1991 وتمس بشكل خطير بالأمن والاستقرار في المنطقة، معتبرا أن هذه التحركات غير المسؤولة من طرف «البوليساريو» تشكل تحديا للمجتمع الدولي وإهانة للأمين العام ولمجلس الأمن.
وأعرب السفير المغربي عن الأسف العميق لأن تكرار هذا السيناريو هو دليل على أن «البوليساريو» والجزائر، التي تمولها وتسلحها وتقتني العربات التي تقطع الطريق بالكركارات، لم يستخلصا العبر من فشلهما الذريع في أبريل الماضي وحذر من أن أي مسلسل سياسي غير ممكن طالما أمعنت الأطراف الأخرى في انتهاكاتها المتكررة للاتفاقات العسكرية ولوقف إطلاق النار، وكذلك في تكتيكاتها المعتادة لإذكاء التوتر والتأزيم عشية الاستحقاقات الأممية…
إن لغة الحرب وممارسة الابتزاز والاستفزاز التي تنهجها «البوليساريو» اليوم جاءت بعد الانتصارات الدبلوماسية المتوالية التي حققها المغرب في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي، وهي انتصارات زادت من وهمية كيان وهمي وبينت أكثر من أي وقت مضى أن أطروحة الجزائر بشأن الصحراء هي في الحقيقة أطروحة تهدف إلى فرض هيمنة إقليمية على المنطقة المغاربية.