اعتقد جزء كبير من النخبة الإعلامية والجيو اسراتيجية في الغرب أن ما يحدث في إيران ثورة بمعنى الكلمة، تجاوزت قدرتها نظام الملالي .. كان التسرع يكشف عن رغبة دفينة في تطويع الاحداث لقراءة لها موقف مسبق من الاحداث، بل لعلها كانت تلك هي الطريقة البديلة في سرقة الغضب الشعبي من مقومه الداخلي وإدراجه ضمن شبكة التوازنات الدولية.
بمعنى آخر كانت القوة الروسية، اليمينية، والغربية ـ الامريكية تريد من الشعب أن يحمل شعاراتها للاطاحة بنظام لا يحظى بالتأييد، ولكن مازال شرط البلاد الداخلي لم يغير الموازين ضده .. لكي يصبح غضبا استراتيجيا.
أحد مجالات الفهم هو ما شرحه الباحث الفرنسي ستيفان ديدوانيون، الذي اعتبر ما يقع «ثورة»، كما سمى الغاضبون حركتهم. بالنسبة للباحث فإيران تعيش منذ سنتين الى ثلاث على إيقاع تظاهرات شبه يومية مبعثه المشاكل الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية. غير أن ما حدث هذه المرة تجاوز ذلك لأن الامر يتعلق برابع مدينة في قلب البلاد ترفع وتسمع فيها شعارات مناهضة للنظام والشعارات التي تسبه حتى.»
البعض اعتمد على الشعارات التي رافقت مظاهرات قم، والتي كانت مهد الثورة منذ أربعين سنة مضت..وهي شعارات رفعت للمطالبة بالدعوة الى عودة نظام رضى شاه بهلوي الذي حكم البلاد ما بين 1925 و1941… والذي يعتبره البعض أتاتورك إيراني مناهض لرجال الدين! بل ذهب الحماس بالثورة الايرانية الجديدة الى حد اعتبار الشعارات التي رفعت اسم رضي بهلوي تعبيرا يفوق المعارضة والثورة ضد رجال الدين بل «رفضا للاسلام نفسه»! على حد الباحث ستيفان دودوانيون!
قراءات أخرى وجدت في خروج أحياء شعبية في العاصمة ضمن الاحتجاجات، عنوانا على تدهور القاعدة الشعبية للنظام، على عكس احتجاجات 2009، والتي أعقبت انتخاب احمدي نجاد، وهي الاحتجاجات التي شاركت فيها ونظمتها فئات الطلبة والبرجوازية الحضرية..
وقد سارعت بعض القطاعات في الاعلام والسيوسيولوجيا الى الحديث عن «تفكك وتآكلالايدولوجي والاجتماعي للجمهورية الاسلامية»..!
وذهبت قراءات أخرى الى اعتبار أن النظام يعيش صراعات كبيرة جعلته مرتبكا وفي غير موقف مساعد للتحكم في الغضب الشعبي ولهذا السبب «نحن أمام ثورة بدون قيادات ولا ريادات معروفة، جعلت النظام عاجزا عن الانصات والتصرف».
ومن سوء حظ هذه القراءات أنها كانت في بداية الثورة ولم تنتظر حتى اكتمالها ولا استكمال اللوحة كاملة للقراءة..
ويبدو أن «تدويل» المشكلة من خلال عرضها على مجلس الامن، هو الضربة القاضية لهذا الغضب الشعبي الذي وجد نفسه ضمن الراسميل الامريكية ضد النظام وليس تعبيرا داخليا حرا عن وضع اقتصادي صعب..
الشعارات التي تم ترويجها أيضا تبدو في غالبها عالية التوتر: من قبيل يسقط حزب لله والحوثيون، والتي تدخل في نطاق لعبة إقليمية أكثر منها لعبة داخلية تتعلق بالمال الايراني وصرفه..
فقضية حزب لله هي في العمق قضية توازن اسرائيلي ـ سوري، والحوثيون ورقة في لعبة الخليج الداخلية وتوازنات القوى بين عواصمه أكثر منها قضية رأي عام، إيجابي أو سلبي داخلي…
وسرعان ما بدأنا نسمع صوت العواصم الاجنبية، موسكو، باريس ، لندن وبيكين عوض ان نسمع الشوارع الايرانية وتفسيرها لما يقع..
لهذا بدا واضحا أن امريكا أجهضت التغيير عندما تبنت شعاراته، بل لعل تبنيها هو الذي جعل قطاعات واسعة تعي بأن الاصل هو الذي قالته امريكا وليس ما صعد من عمق الشعب الغاضب والذي انهكته الحرب الاقتصادية…
كان هناك تسرع في تبني التحليلات الإنفجارية – الثورة من أول يوم – وتسرع في تدويل قضية شعب مع حكومته، وهو ما جردها من طابعها المجتمعي وحولها إلى قضية صراع إقليمي ودولي..
الاثنين 08 يناير 2018./ 20 ربيع الثاني 1439.هج