في خضم الجدل الدائر، بخصوص تبني الحكومة لتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التي ركزت في مختلف محاورها على مسألة «تعدد مصادر التمويل» والمساهمات والإعفاءات الضريبية والتحفيزات، وغيرها من القضايا التي تهم الجوانب المالية، توارت إلى الخلف إشكالية أعمق، تٓهُمّ مضمون البرامج والمناهج والمقررات، التي كان من المفترض أن تنال الأسبقية في مشروع إصلاح منظومة التربية والتكوين.

ويمكن من خلال مراجعة الوثائق المتعددة حول هذا الإصلاح، الإطلاع على أن هذه الإشكالية قد تمت إثارتها، سواء في ميثاق التربية والتكوين، الذي ينص على تكوين لجنة لهذا الغرض، أو في التقرير المتعلق بالتربية على القيم، الصادر عن المجلس المذكور، بالإضافة إلى وثائق أخرى، غير أن تفعيل كل ما يتعلق بمضمون المقررات، مازال يراوح مكانه.

ويبدو أَن هناك فلسفة سائدة لدى الدوائر الرسمية، بخصوص إشكالية التعليم، تتمحور حول إعطاء الأهمية القصوى لمسائل التمويل والتشييد والتجهيز، ظهرت بوضوح في مشروع البرنامج الاستعجالي، الذي رصدت له مبالغ ضخمة، وفي الجدل الدائر اليوم حول ما سمي بتعدد مصادر التمويل،غير أن التجربة أكدت أن التركيز على الجوانب المالية واللوجيستيكية، وحدها، لا تكفي لمعالجة أزمة التعليم.

من الأمثلة التي يمكن التدليل بها على ذلك، ما تشير إليه المعطيات، حيث إن فرنسا تصرف على التعليم 5,5في المئة من ناتجها الداخلي الخام، بينما تصرف ألمانيا أقل، 4,8 في المئة، غير أن نتائجها أفضل، حسب الدراسات التي أنجزت في هذا المجال، والتي تتلخص في أَن التلميذ الفرنسي «يتعلم كيف يتعلم» بينما التلميذ الألماني «يتعلم كيف يفهم».

و من المعلوم أن هذا النقاش حول مضامين المقررات ومناهج التربية، يتم على أعلى المستويات في البلدان المتقدمة، سواء داخل الحكومات أو في البرلمان، وبين الأحزاب والنقابات والمنظمات المختصة، وتنجز حوله دراسات، بل أحيانا يتدخل فيه رؤساء الدول، لأن هناك إدراكاً عميقاً لأهميته القصوى بالنسبة للموارد البشرية للبلدان، أي لمستقبلها.

لذلك، من المشروع التساؤل حول مدى صحة المنهج المتبع لحد الآن في معالجة أزمة التعليم، مادامت الأولوية تعطى للتمويل والتشييد والتجهيز، التي تحتاج بدورها إلى ترشيد، دون المساس بالكثير من المضامين المتخلفة في المقررات، ودون مراجعة منهجية التلقين، التي أثبتت عقمها، و في انتظار التعامل الجدي مع هذه القضايا الكبرى، سنظل نصب الماء في الرمل.

 

الخميس 04 يناير 2018./ 16 ربيع الثاني 1439.هج

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…