ليست هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها احتجاجات شعبية، في إيران، فقد سبقتها احتجاجات قوية سنتي 2009 و 2011، تم قمعها بقوة من طرف النظام، الذي يمثل ما يسمى بحكم الملالي، أي رجال الدين، الذي ساد في هذا البلد منذ استيلاء آيت الله خميني، على الحكم سنة 1979، رغم أن القوى التي كانت وراء هذه الثورة، لم تكن متفقة نهائيا على تسليم السلطة لرجال الذين، وعلى رأسهم المفكر علي شريعتي، الذي يعتبر المنظر الحقيقي لهذه الثورة، ويسمى «المعلم الأول»، الذي تم اغتياله في ظروف غامضة، بلندن، سنة 1977، وقد ألف عدة كتب لانتقاد ما سماه ب»الاستحمار الصفوي»، وهو المذهب الذي أسست عليه الدولة الشيعية في إيران، إذ هو عبارة عن مزيج من الأفكار الشعوبية ضد العرب والقومية الانعزالية الفارسية والتأويل الخاص للمذهب الشيعي، حول ولاية الفقيه.
وكان شريعتي من الشباب الذين ساندوا رئيس الوزراء محمد مصدق، العلماني الديمقراطي، الذي قاد ثورة مدنية ضد حكم الشاه، ووصل عبر البرلمان، للسلطة،وقام بتأميم الثروة النفطية، فواجهته الإمبريالية بضراوة، ونظمت المخابرات الأمريكية انقلابا ضده، بمباركة رجال الدين، سنة 1953.
وبعد عودة الشاه إلى السلطة، تواصل نضال الشعب، وكانت حركة «مجاهدي خلق»، أول قوة واجهته في الداخل والخارج، وكانت تنطلق من تأويل تقدمي وتحرري للإسلام، وشٓكّلٓت رأس الرمح في الثورة ضد الشاه، وكانت على علاقة بمفكر آخر، هو أبو الحسن بني صدر، الذي ترأس أول حكومة بعد الإطاحة بالشاه، إلا أن الخميني عزله، بسبب مواقفه التي اعتبرت ليبرالية، خاصة مطالبته بابتعاد رجال الدين عن السلطة.
وقد سار حكم الملالي في تعزيز سلطته عبر بناء مؤسسات دينية/سياسية، حيث تم الدمج بين المنصب السياسي والمقام الديني، الذي يتركز في يد واحدة، هي «المرشد الأعلى»، الذي تنبثق عنه أهم السلطات، ممثلة في مجالس وصلاحيات شاملة تتحكم في تأويل الدستور وتشخيص مصلحة النظام، وفي التوجهات العامة لسياسة الحكومة، كما تتمتع بصلاحية تنصيب وعزل المسؤولين وتأهيل المرشحين للبرلمان والهيمنة على السلطة القضائية والإعلام والجيش، وخاصة حرس الثورة… وبذلك تتحول الحكومة والبرلمان إلى مجرد تابع لسلطة المرشد الأعلى.
لذلك، فإن العديد من الشعارات المرفوعة ضد السلطة، في الاحتجاجات الحالية، تذهب بعيداً في المطالبة بالقضاء على السلطة الثيوقراطية، التي يجسدها حكم الملالي، الذين استولوا على السلطة، رغم أنهم كانوا آخر الملتحقين بالثورة، فنصبوا نظام «المرشد»، على غرار ما تقوم به حركات الإسلام السياسي، رغم اختلاف المذاهب.
الاربعاء 03 يناير 2018./ 15 ربيع الثاني 1439.هج