سنكون أول شعب، ربما، من بقايا البشرية السابقة، الذي ما زال بعض أبنائه في القرن الواحد والعشرين، يبحثون عن أسباب الحياة… في قبور مشيدة!
لكن الفقر هو، في الصورة الغاضبة لأبناء جرادة وأبناء الصويرة وأبناء الحسيمة، هو طريقة الفقراء في طرح سؤال الثروة ما بين القبر …والشارع العام….
كان السبب المباشر وراء الغضب هو وفاة شابين، عمرهما 23 و30 سنة..
تركا خلفهما عائلة وقلب أم عار إلا من فحم ونحيب!
وبعيدا في العمق، دليل الجثة أن النموذج الاقتصادي والاجتماعي لم يعد يترنح، بل سقط وانهار كليا، لأن هناك من يدخل إلى قعر قبر عمقه 90 مترا بحثا عن شكل قديم للحياة، لم يعد متداولا إلا هناك..حيث الحياة تجرب جرعات “الشاربون” لكي تستمر..
جرادة، هي تأكيد الحديث الأعلى، من أعلى سلطة في البلاد حول انهيار النموذج الاقتصادي والاجتماعي.
وهي دليل المستكشفين الجدد، الباحثين عن شبع تبقى منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن أغلقوا عليه منافذ الفحم والحياة معا، ورفعوا أسعار الماء والكهرباء.. أي كل ما يتعلق بالمباشر في حياتهم ويسلط عليها أضواء كاشفة!
الإقرار الأعلى بوجود انهيار شامل في العنصر البشري للتنمية، يزيده الوضع المليء قتامة: جرادة من أكبر الأقاليم فقرا في محيط من الأقاليم الفقيرة، وفي جهة تعرف فقرا غير مسبوق، بالرغم من تراجع عدد سكانها، منذ إغلاق المناجم في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فقد حافظت على كثافتها الشبابية، بما يعنيه كل ذلك من إحساس عام../
كل الأرقام صعبة ورقم البطالة أصعبها ـ أكبر نسبة في الجهة الشرقية تعرفها المنطقة، وهناك جماعات يصل الفقر فيها إلى 50 في المئة .
ومن عناصر العجز أن ما قدمته المراكز المكلفة بقرار ما بعد إغلاق المناجم منذ عشرين سنة، لم يرق إلى أن يكون بديلا اقتصاديا ولا اجتماعيا، ولا ترفيهيا كما هو حال مدينة السعيدية أو بقايا شركة مفاحم جرادة..
نسجل قرارا في أعلى هرم الدولة بالحقيقة وامتلاك جرأتها، تنصيب الحقيقة كنقطة انقلاب في التعامل مع هكذا أوضاع، لأن الذي لا يمكن أن نغفله هو حصر التنافس بين النخب، في من هو قادر على الإفساد أكثر..
جرادة تحتاج إلى من يصبن أحسن آثار الفحم وليس من يفيد تجارته أكثر !
لقد جعل هذا الوضع، المعترف به رسميا، من الصعوبة إغلاق الشارع بعد إغلاق المناجم: لا احتكار للدولة للشارع العام في مناطق الفقر المغربي كلها..
ولهذا تحررت القوى الفقرية المحتاجة »،
أولا، من سلطة الدولة واحتكارها للفضاء العمومي، وهنا لا بد من تسجيل الحكمة في التعامل مع انفجار الفقر في وجه البلاد.
وثانيا، من بنيات التأطير كلها، النقابية والحزبية والجمعوية، بالرغم من حضورها كأفراد وكثقافة احتجاجية لا يمكن أن تتخلى عنها مدينة عمقها وذاكرتها بنتها الاحتجاجات العمالية المنظمة أيام الكدش وسنوات 1988….