قد يختلف معي البعض، ويدافع بحماس زائد عن برنامج ما يسمى بـ “رشيد شو” المبتذل والمنحط، لكنني ألتمس العذر، واحترم انحياز هذا “البعض” المدافع عن صورة مفبركة وإغرائية، استوطنت ذهن المتلقي بأساليب خادعة تسللت دون سابق إشعار، واستعملت أقوى المؤثرات الإعلامية والإشهارية لتسويق نفس البرنامج الحامض حد القرف، لضرب الإبداع والمبدعين.
لذلك سأدافع عن وجهة نظري كمواطن مغربي جايل برامج تثقيفية وتربوية وفنية وإبداعية، أدارها بحنكة وعلو كعب منشطون متميزون ذكورا وإناثا، لعبوا أدوارا طلائعية في تجويد ذوق المتلقي، وخلقوا متنفسا للمشاهد المغربي الذي يؤدي ضرائب تعد بملايين الدراهم عبر فاتورة الكهرباء الحارقة لتلفزتنا المغربية الباردة والجامدة.
أستحضر خلال فترة السبعينات أن أحد جيراننا بزقاق حينا بمدينة اليوسفية، كان الوحيد الذي يمتلك شاشة تلفزة بالأبيض والأسود، وكان باب بيته مفتوحا في وجه كل عائلات الجيران نهاية الأسبوع لمتابعة فقرات برامجها الجميلة. وكنا نتحلق حول موائد الشاي والخبز التي تعدها أمهاتنا تضامنا مع جمهورنا المنضبط والمتشوق للمشاهدة وإشباع رغبته الجامحة وتغذيتها بالصوت والصورة المبهرة لنجوم الشاشة على جميع المستويات. وكانت التلفزة آنذاك فعلا مدرسة وقناة إعلامية متميزة صنعت منا جيلْ طرحْ الأسئلة والبحث عن أجوبتها واقعيا.
فهل يمكن أن ننسى زمن بث تلفزتنا المغربية لبرنامجنا العملاق تربويا وثقافيا الموجه للتلاميذ “الوقت الثالث”؟ وهل يمكن أن نغفل عن أهمية برنامج الأطفال “أبا حمدون”؟ أين نحن من برنامج اكتشاف الطاقات “مواهب”؟ و”كنوز”، و”ذاكرة المدن”؟ و”سينما الخميس”؟ وقس على ذلك برامج حوارية أخرى سياسية وثقافية وتربوية وفنية واجتماعية جد متميزة، قاومت وانتصرت لقضايا الناس والمجتمع.
لذلك، لن أقبل كمواطن مغربي اليوم أن يمرمد مهنة “التنشيط التلفزي” مراهق مدلل صنع بقدرة متحكمين في المشهد الإعلامي بملعقة من ذهب في فمه، نبت كالفطر بممرات دهاليز إدارة صندوق لعجب، وتشابكت خيوط “اتصالاته” ليستعمر الشاشة ويقدم الرداءة دون اعتبار للمتلقي/ المواطن المغربي.
أرفض أن يجلد هذا الشخص “بسوطه الطويل” أفراد عائلتي كل جمعة، بإطلالته “المتخلفة”، وهو يطل عبر شاشة التلفزة المغربية كرها على أسرتي، محملا بكل “محسنات” الماكياج والألبسة والديكور وطبق “لحرور” في عز مرارة البت، لأن استنساخ برنامجه الممسوخ لا قيمة له، فهو برنامج جد مبتذل ولا علاقة له بالإبداع والفن والثقافة. وكأن وطني المغرب تعوزه الأطر الكفؤة والطاقات الخلاقة والمبدعة، حتى يتكرر هذا العرض البئيس ومشاهده وحواراته المستفزة، على حساب ونفقة ضرائبنا المجحفة.
أعتبر برنامج رشيد “الشوهة” و”المسخ”، برنامجا فارغ المحتوى الثقافي والبصري على جميع المستويات، فهو جريمة بشعة تمارس في حق المواطن المغربي مع سبق الإصرار والترصد، بلسانه السليط والمتطاول قبحا، برنامج سيطر على زمن البث المفروض قهرا، على براءة المشاهد المقهور، ليفترس وليلتهم بشره ما تبقى من “حس فني وجمالي” في وطن تغتصب فيه علانية حقوق المواطن في المشاهدة، من خلال تقديم “إنتاجات” الريع التلفزي التي تغرف من صندوق ضرائبنا بشراهة.
هنا والآن أوجه الشكر والامتنان لثلة من الفنانين والفنانات الذين رفضوا الامتثال لدعوة هذا البرنامج، من أمثال الفنان الجم، وأستحضر وصف الممثل المغربي المقتدر محمد الشوبي، في إحدى تدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي حيث نعت برنامج “رشيد شو” الذي يقدمه رشيد العلالي، بأنه برنامج سطحي في كل ظهوره، مستغربا لتسيد هذا الأخير على مستوى التخلف قائلا: “لا أستسيغك يا رشيد العلالي، أنت مقرف بالنسبة لي”، واختار له أن مهنة أخرى تليق بشخصيته بدل أن يكون مقدما لبرنامج تلفزي، حيث وجه خطابه لرشيد العلالي قائلا: “سير خدم فشي سبيطار ديال الحماق وبعد على هاد العمل النبيل”. هذه الشهادة التي كتبت ذات يوم من طرف فنان تدرج في معانقة هموم المواطن والوطن على مستوى ركح مسرحنا اللامع، وأدواره الرائعة ضمن أفلامنا المغربية الجميلة، والإنتاجات الدرامية المتميزة، دعمتها شهادة فنانة أخرى يشهد لها الجمهور المغربي بعلو كعبها الفني، إنها الممثلة القديرة أيقونة الدراما المغربية والسينما والمسرح فاطمة وشاي التي رفضت حضور برنامجه المنحط، حيث نصحت صاحب برنامج “الشوهة المغربية”، قائلة له “يمشي يحشم على عراضو”، وأوضحت فنانة الشعب بأن برنامجه غير “مقنع بالنسبة لها، وأسلوبه الركيك في تقديم ضيوفه جد مبتذل لا يهدف سوى إلى تقزيم الفنان المغربي..”. وأعربت عن قلقها إزاء استغلال الوضع المادي والمعنوي المزري لبعض الفنانين والفنانات حيث اعتمد “الإساءة المتعمدة في حق ضيوف برنامجه”.
في الحلقة الأخيرة من برنامج “رشيد شو” الذي بدأ يتسلل إلى عالم الأطفال البريء ليشحن عقول طفولتنا بسمومه، وشطحاته، وتمرير خطاب التخلف عبر قنوات إعلامنا التي ندعمها بأموال ضرائبنا، استضاف طفلة في عمر الزهور، وبعد سين وجيم طلبت منه الطفلة البريئة بأن يستضيفها في برنامجه لما تكبر فقال لها دون تردد “سيستضيفك ولدي”. وكأنه حفظ القناة الثانية باسمه، وأصبح وريثا شرعيا لتلفزتنا المغربية التي تقتات من ضرائبنا.
سؤال يتقاسمه المشاهدون موجه للمؤسسات التشريعية والتنفيذية:
ـ ألا يوجد حكيم بين أعضاء “الهاكا” يقول اللهم إن هذا منكر، ألا يوجد وسيط يترافع عن حقنا في الإعلام العمومي؟ فعلا أحسنت القول فنانة الشعب المقتدرة فاطمة وشاي لما قالت “يمشي يحشم على عراضو”.