كشفت التطورات الحاصلة في اسبانيا، بسبب مشكلة كاتالونيا، عن حقيقة مواقف الأحزاب تجاه المطالب الاستقلالية، خاصة تلك التي تُزايد في مثل هذه القضايا بأسلوب غامض، مثل حزب اليسار الجذري، بوديموس، والذي كان أكبر الخاسرين في الانتخابات التي جرت يوم 21 دجنبر الأخير، حيث عاقبه الناخبون على ما اعتبروه انتهازية في موقفه، إذ عـبّرَ عن الشيء ونقيضه في موضوع استقلال هذا الإقليم، لينحاز في النهاية إلى موقف مدريد، ويكشف أَن كل البهلوانيات التي طبعت مواقفه، لم تكن سوى محاولة للتميز الشعبوي عن الأحزاب الأخرى.
وما يهمنا في متابعة هذه التطورات، هو أن نسجل كيف الْتَفّتِ الأحزاب الإسبانية، بكل تلاوينها، حول موقف واحد هو رفض استقلال كاتالونيا، رغم أن هذا المطلب له تعبيرات قوية داخل الإقليم، لا تبرز على شكل احتجاجات متناثرة، بل في تصويت الناخبين، الذين حافظوا على نفس النتائج التي تمنح لما يسمى للأحزاب الانفصالية سندا شعبيا لا يستهان به.
ومن المعلوم أن حزب بوديموس، الذي تراجع انتخابيا بسبب انتهازية مواقفه، يتصدر اليوم قائمة الأحزاب الإسبانية التي تشن حملات ضد الوحدة الترابية للمغرب، وتدعم بشكل غير مسبوق انفصاليي البوليزاريو، في إطار مغازلته لفئة من الناخبين الذين يحاولون تقديم المطلب الانفصالي ضد المغرب، كما لو كان مشروعا تحريريا.
غير أَن موقف بوديموس، ليس سوى التجلي الواضح لمواقف الأحزاب الإسبانية، التي ترفض الانفصال في بلدها، رغم وجود سند شعبي له، وتتحمس للدعوة الانفصالية في الجنوب المغربي، رغم أن الأمر يتعلق بحرب تخوضها دولة الجزائر ضد المغرب، وبدونها لا يمكن لهذه الدعوة الانفصالية أن تقوم لها قائمة ولا أن يكون أي وجود لجبهة البوليزاريو.
ومن المعلوم أن هذا التناقض الواضح في المقاربة، لن يثير أي تساؤل جدي لدى هذه الأحزاب التي تواصل دعم الانفصال ضد المغرب داخل إسبانيا وفي كل المنتديات الأوروبية والدولية، لتكشف بذلك عن نفاق إسباني، لا يختلف عن كل السياسات الغربية التي تكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بمصالحها الجيوستراتيجية، إذ تختفي آنذاك كل المواقف «المبدئية»، ليسود شعار»المصلحة العليا للوطن».