لا شيء كان يشير إلى وجود اي شي من الشك أو القلق حول نتائج الاستفتاء بخصوص مستقبل علاقات بريطانيا بالاتحاد الأوروبي داخل أوساط النخبة الفكرية والإعلامية وفي أوساط السيتي حي المال والأعمال سواء في في منطقة بنك انجلترا والبورصة المحادية لكاتدراءية سانت باولز في لندن حيث تقام مراسيم زواج الملوك والأمراء أو في منطقة الكناري وارف حيث البنك العملاق Morgan و المركز الجديد لما صار يعرف بالصناعة المالية و supprimes المشتقات المالية أوفي الفليت ستريت حي الصحافة الشهير عند نهاية غير بعيد عن الأولد بايلي قصر العدالة التاريخي .
لم يدر في خلد كل هذه الأوساط أن نتائج الاستفتاء حول مستقبل علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.لم ستحمل فوزا مريحا لدعاة الخروج من كل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. 52/100 صوتوا لخيار الخروج.
وبقدر ما كانت الصدمة قوية في الصف الأوروبي التوجه بقدر ما كان الاحساس العارم بضياع البوصلة المفاهيمية والتحليلية لتفسير ما جرى:فهذا بلد يستفيد من سوق موحدة هي أول فضاء اقتصادي في العالم. وهذا بلد اندمج الجزء الأكبر من صادراته ووارداته ضمن هذا الفضاء الأوروبي الموحد. وهذا بلد يستفيد مركزه المالي العالمي (الثاني في العالم بعد الوول ستريت )من تمركز لكبار الأبناك العالمية وبينها
اكبرالاابناك الأوربية، وهذا بلد يشكل مع فرنسا و ألمانيا ثالوث القوة الاقتصادية والسياسية والرمزية في القارة الأوروبية. ويقر له الجميع من جيرانه الأوروبيين بدوره ووزنه في التوازنات الكبرى في المنطقة وفي العالم .لماذا تختار الأغلبية الساحقة إذن من مواطنيه هذا الخيار؟
وقبل تقديم عناصر الإجابة كما لمستها على الطبيعة وتقديم بعض الاستخلاصات الأساسية مما جرى والتي تتعدى الحدود الإقليمية لهذا البلد لتقدم بعض المعطيات الأساسية التي أحاطت بالبريكست وكيفت مساره.وتلخيصها كمايلي :
لقد أصبحت العلاقة مع الاتحاد الأوروبي قضية مفرقة
A divisive issue
تجاوزت في تأثيراتها حدود التمايزات الأيديولوجية بين المحافظين والعماليين.حيث وجدنا اعصاء منافحين عن البقاء داخل الاتحاد مع مطلب أحداث تغيير داخل هياكله في ضمن حزب المحافظين .رغم أن التيار الغالب داخل الحزب يبقى معارضا للتوجه الأوروبي
.البريكست في صف المحافظ أعاد توزيع خرائط ومواقع التأثير بنقل التأثير جهة الرباعي بوريس جونسون وزير الخارجية وكوف وموك العضوان البارزان في مجلس العموم ضمن ما يعرف Front bench المقاعد الأمامية. و دافيد ديفيس المكلف حكوميا بالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.لمباشرة ترتيبات الخروج على إثر تحريك الفصل الواحد والخمسين من اتفاقية لشبونة.الخاصة بتلك الترتيبات.
والسيدة تيريزا ماي التي قامرت بمستقللها السياسي حينما دعت قبل أشهر إلى انتخابات سابقة لأوانها لتعزيز موقعها التفاوضي تجد نفسها اليوم وقد أعطت تلك الانتخابات تقدما كبيرا وشرعية لجيريمي كوربين؛ الزعيم العمالي -تجد نفسها في وضع حرج ،وتعلن طمأنة للمتشددين ضمن حزبها أن البريكسيت تعني البريكسيت Brexit means Brexit. في إشارة إلى أنها ماضية بثبات في مفاوضات الانسحاب.
جهة العماليين كان كوربين قد تعرض لحملة قوية من طرف منافسيه ومعارضي خطه الراديكالي (كان معروفا بميولاته الماركسية ضمن جناح militant في السبعينيات ) -حيث اتهم بأنه قاد حملة محتشمة لصالح توجه البقاء وكان السيد الصديق خان عمدة لندن السياسي المخضرم ،المنحدر من أسرة متواضعة في حي tooting الشعبي، ابن سائق الباص الباكستاني الذي أصبح أول عمدة مسلم في عاصمة غربية كبيرة
قد انتقد بشدة كوربين وذهب في تأكيد التوجه المعضدد للخيار الأوروبي إلى حد المطالبة بنظام خاص للندن يبقيها بشكل ما مستفيدة من امتيازات العضوية في الاتحاد الأوروبي.
أما السيد توني بلير المدافع بضراوةعن البقاء فى البيت الأوروبي فلم يعد صوتا مسموعة بعد أن فقد مصداقيته السياسية على إثر ظهور تقرير لجنة التقصي التي كان قد شكلها مجلس العموم البريطاني والتي ابانت في خلاصاتها تهافت حكاية أسلحة الدمار الشامل العراقية التي استند إليها بلير في الانحياز لموقف بوش في موضوع الحرب على العراق.
السجال محتدم لحد الان بين طرفي البريكست وهو يكتسي طابعا عاطفيا بامتياز “
يقول أنصار التوجه الأوروبي أن بريطانيا تضيع جراء الخروج امتيازات ضخمة في سوق مفتوحة فيرد المناهضون أن حاجة الاوروبيين لبريطانيا قائمة وقوية وهي الأمة التجارية trading nation بامتياز . وان لبريطانيا عليكم حال فضاء اقتصادي كبير تربحه إذا تعقدت الأمور ممثلا في الكومنولث وفيها قوى عملاقة صاعدة.
يقول أصحاب التوجه الأوروبي أن بريطانيا بهذا التوجه تعلن انعزالها عن أوروبا فيرد المتحمسون لنتائج الاقتراع أن بريطانيا تدير ظهرها لبيروقراطية بروكسل وتعقيداتها وسلطاتها المنفلته من الرقابة الديمقراطية وليس من أوروبا كفضاء سياسي ثقافي حضاري. ويضيفون بحماية أن بريطانيا الماكنا كارتا لائحة الحقوق الصادرة منذ القرن 11،بلد ام البرلمانات.والاولد بايلي قصر العدالة الشهير في منطقة الستراند ليس له ما يتعلمه من الآخرين الذين يرفعون في وجهه من حين لآخر أحكام ومقرات المحكمة الأوروبية في قضايا الخلاف المثارة .
وبخصوص قضية الانفتاح يحذر المدافعون عن التوجه الأوروبي بأن الخروج سيؤثر على سمعة البلاد وسيبرزها كبلد معاد للأجانب فيرد الصف المقابل بأن بريطانيا استقبلت ما يزيد على في خلال عشر سنوات أكثر من مليون أوروبي اختارتها لسخاء منظومة العمل benefit وهم مقيمون بصفة طبيعية ولكن من حق البلد أن ينظم الهجرة .
وقد نشرت تيريزا ماي نهاية الأسبوع ما قبل الأخير على صفحات الستاندار ايفننغ التي توزع مات الآلاف من الإعداد في لندن رسالة مفتوحة إرادتها أن تكون طمأنة كاملة للثلاثة مليون أوروبي فصلوا الاقامة الدائمة في بريطانيا وبينهم-للتذكبر-ازيد من 300000فرنسي حسبما أفاد بوريس جونسون في إحدى محاضراته حينما قال بتندره المعروف أن لندن هي رابعة مدن فرنسا بعد باريس وليون ومارسيليا.
والظاهر الان بوضوح أن تيار المعبرين عن الانشراح من وضعية الخروج أكثر حضورا وحركية من تيار التوجه المعاكس .
والاستخلاصات التي تتجاوز الحدود القومية لبريطانيا هي اثنتين “
الأولى أن البريكسيت توشر إلى أزمة تواصل وإقناع البانديت (النخبة )حينما يتعلق الأمر بقضايا كبرى معقدة وهي دليل على أزمة ثقة بين البانديت والماينستريم التيار العريض ويجب أن تكون عبرةلل البانديت في كل مكان وفي كل الأقطار وليس فقط في بريطانيا.
الخلاصة الثانية المؤقتة هي أن البريكسيت أثبت للعالم أن القومية شعور قوي ومنغرس بقوة في المخيال الجماعي وان مسلسل العولمة ليس بالضرورة مرادفا لذوبان الهويات أو أنحاء الذاكرات الجماعية على معبد الاقتصاد
وعلى ضوء ذلك نطرح السؤال لماذا يراد منا أن نتحلل من ارتباطاتنا القومية بذريعة معانقة العالمية والعولمة نحن في هذا العالم العربي وقد رفض الماينستريم الشعبي هذا التوجه حتى في بلد الليبرالية الاول؟؟!!