لماذا اتهمت أمريكا كل من الصين وروسيا بالسعي لخلق عالم جديد ضد المصالح الأمريكية ؟ وكيف ستسيطر الصين على رقعة الأوراسيا وتقضي على الهيمنة الأمريكية على جزيرة العالم؟
يعتقد ويليام اينكدن في كتابه الجديد “القرن الاوراسي،حزام واحد طريق واحد” ان رؤية الجغرافي ماكندر حول الجغرافيا السياسية والتي حدد معالمها ورسم ابعادها في مقالاته المنشورة سنة 1943 بمجلة الشؤون الخارجية،أسهمت في تشكيل فكر الإستراتيجيةالعسكرية الأمريكية من هينري كيسنجر الى برجنسكي الى فريدمن،وضمنت الهيمنة الأمريكية على رقعة الاوراسيا في عالم احادي القطبية.
فالآن ما من قوة في الارض ولا من قوة البحر ستحدد أبعاد الهيمنة في عالم جديد متعدد الأقطاب من دون المبادرة الصينية “الحزام الاقتصادي وطريق الحرير”
فالحقيقة الواضحة اليوم، أن جناحي الحزام و الطريق يبسطا نفوذهما الاقتصادي على المنطقة المحورية و يلتهمان الأرض المركزية و يصلان الى حدود اللاعب الغربي على رقعة الشطرنج الكبرى.
عمدت استراتيجية الحزام الاقتصادي وطريق الحرير عبر شبكة ضخمة ومعقدة من وسائل النقل للسكك الحديدية والطرق السريعة وخطوط أنابيب نقل الطاقة الى ربط القوة الصناعية في مقاطعات ومناطق الحكم الذاتي بالصين لأول مرة مع رقعة الأوراسيا.
يمكن القول ان الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 كانت نقطة تحول فى الرؤية الأمريكية لسياسة التدخل العسكري تكرست فى انسحابها الاستراتيجي من منطقة الشرق الأوسط والاعتماد أكثر على تفعيل لعبة الحروب الدينية من أوروبا إلى المشرق العربي استعدادا لمواجهة الدب الروسي والمارد الأصفر الصيني فى الصراع المرير على رقعة الاوراسيا.
في المقابل تظهر الإستراتيجية الخفية لشنغهاي مساعي لتشكيل حلف عسكري مواز يشكل عالما متعدد الأقطاب فى مواجهة الغرب. وبالتالي فان الجغرافيا السياسية التي خشي منها مفكرو أمريكا (فوكوياما.هنتنتجون .برجنسكي .ماكندر و برنارد لويس )أصبحت حقيقة واضحة, متمثلة فى عبارة واحدة هي الحزام الاقتصادي وطريق الحريى.
وفقا للعبة الأمريكية التي أصبحت القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الحقبة السوفيتية, فقد حددت النخبة في واشنطن 4 محاور جيوستراتيجية مهمة لتحقيق المصالح التى تضمن السيطرة ومنها: مد النفوذ السياسي والعسكري الأمريكي على المحيط الأوراسي الغربي القريب عبر دول أوروبا الغربية مع تحقيق التوازن النووي، وتطويق اللاعب الشرقي المتمثل في كل من روسيا والصين.
ان محاصرة النفوذ السياسي والعسكري للصين, و بالمنظور الأمريكي يجب أن يظل الشرق الأوسط منطقة تسودها الصراعات السياسية لضمان السيطرة على تدفقات النفط وإحكام السيطرة على البحار والممرات المائية من قبل لاعب واحد وهو أمريكا.
لكن السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية منذ إعلان الحرب على الإرهاب سنة 2001 شكلت أدوات انهيارها كقطب واحد, مع ظهور مدارات جديدة وقوى صاعدة تعيد تشكيل موازين القوى العالمية وتنهى رواية أحادية القطب.
فقد فاق الدين العام لأمريكا سنة 2011 حاجز الـ 14,750 تريليون دولار مما يمثل 99% من الناتج المحلي الإجمالي. ولذا انسحبت أمريكا من أفغانستان ابتداء من 2014 واعتمدت على إستراتيجية الحروب بالوكالة هروبا من الخسائر الفادحة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن خلال ثورات الربيع العربي دون تدخل عسكري بري يرهق الاقتصاد الأمريكي.
وبالرغم من هذا ارتفع الدين العام مجددا بنهاية 2014 إلى 17,824 تريليون دولار بما يناهز 102,98% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وهو ما ذكره تقرير صادر عن معهد الدراسات الحربية داخل الولايات المتحدة سنة 2015 إذ حذر من تراجع قدرة الولايات المتحدة على شن الحروب بكفاءة. لذا رفع ترامب خلال حملته الانتخابية شعار «أمريكا أولا» للعودة إلى أمريكا الصناعية ..وفق السياسة الانعزالية والحمائية.
صنائع العم سام الإرهابية:
طبيعة العلاقة بين أمريكا وصنائعها من التنظيمات الإرهابية هى علاقة حب وكراهية، بينما تدخل موسكو من ناحيتها في عداء عنيف مع تلك الجماعات التى تراها أداة لإضعاف الأمن الروسي ومن ثم بلقنة روسيا على غرار يوغوسلافيا.
واشنطن تستخدم التيار المتشدد كحائط صد يمنع تمدد روسيا والصين ويحقق للبحرية الأمريكية استمرارية السيطرة على الموانئ والممرات المائية الدولية فى البحر الأحمر والمتوسط ومن ثم قطع شرايين الممرات التجارية البحرية لطريق الحرير الصيني وحرمان روسيا والصين من الثروات المعدنية والاحتياطات الضخمة من الغاز والنفط الموجودة في الشرق الأوسط.
الحزام الاقتصادى وطريق الحرير، تنتهي المرحلة الأولى منه عام 2021 ويكتمل بحلول عام 2049 مع احتفالات الصين بالذكرى المئوية الأولى على قيام الجمهورية الشعبية عام 1949. هذه المبادرة ضمت بجوار الصين وروسيا ومنغوليا كل الدول والجمهوريات القديمة للاتحاد السوفيتي ودول البلقان التى تفككت، بجوار دول جنوب أسيا بالإضافة إلى العديد من دول الشرق الأوسط التى تشهد صراعا إقليميا مشتعلا على أنقاض ثورات الربيع العربي أو بالأصح مؤامرة الخريف العربي وحقيقة ما جرى للعرب في لعبة الحروب الدينية.
إذا أمسكت القلم وتتبعت مسار الحزام على خريطة العالم, فستجد خريطة كاملة لرقعة الأوراسيا على حدود الاتحاد الأوروبي القريب من الولايات المتحدة الأمريكية والصراع الممتد على جزيرة العالم. أما النفوذ الأمريكي فقد بدأ في التراجع ولم يعد فى جعبته سوى محاولات بائسة تستهدف قطع أواصر الممرات بتوسيع قاعدة الإرهاب العالمي والمساعدة على تمدده فى الشرق الأوسط والقوقاز ووسط أسيا.
انها لعبة الموت الأخيرة فى النعش الأمريكي. وبالتالي يترقب المجتمع الدولي بعد مبادرة الحزام والطريق, ولادة عالم اقتصادي مواز لاقتصاديات الغرب يزحف من جهة الشرق الأوراسي محاولا التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي.