لا يوجد منهج موحد لفهم الدين. فالدين ظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب، النفسية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والقانونية واللغوية والتاريخية. ومن ثم ارتبط فهمه بالعلوم الإنسانية. وكل الظواهر الاجتماعية ظواهر متغيرة وليست ثابتة، ومرتبطة بتغير المجتمع وتطوره. فلا الموضوع ثابت، وهو الدين، ولا المنهج ثابت وهو مناهج العلوم الاجتماعية. ولذلك تناولته العلوم الاجتماعية كل منها بمنهجه الخاص. وقد طبق تاريخ الأديان المقارن المنهجَ التاريخي لدراسة الدين كظاهرة تاريخية متطورة وللمقارنة بين أبنيتها ومساراتها. وطبق علم الاجتماع الديني المنهج الاجتماعي لمعرفة كيفية نشأة الدين في المجتمع كأحد الظواهر «الفوقية» كالأدب والفن والفلسفة.
وطبقت علوم اللسانيات المنهج اللغوي لتحليل الخطاب الديني ومعرفة إلى أي حد هو خطاب خبري أم خطاب إنشائي. وطبّق علم النفس الديني المنهج النفسي بكل أبعاده لدراسة الدين كظاهرة نفسية مرتبطة بأزمات الفرد، نجاحاته وإحباطاته. وارتبطت به أيضاً ظاهريات الدين لوصف الدين كظاهرة شعورية. وطبقت أنثروبولوجيا الدين المناهج الأنثروبولوجية لدراسة الدين كظاهرة إنسانية متطورة بتطور الإنسان. ثم أدمج ذلك كله في علوم التأويل أو علوم النص التي تجمع بين كل هذه المناهج لفهم ظاهرة الدين في كل أبعادها التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والنفسية واللغوية والجمالية. فلا يوجد منهج موحد لدراسة الدين بل تتعدد المناهج بتعدد جوانب الظاهرة الدينية. فالدين ليس ظاهرة أحادية الجانب بل متعددة الجوانب ومتعددة المناهج، ومتعددة الرؤى ومتعددة النتائج. وتعدد المناهج طريق إلى تكاملها.
وتطبيق منهج موحد لفهم الدين له عدة عيوب. كل منها يقوم على تصور محافظ سلطوي عقائدي نصي للدين. وأهمها أن المنهج الموحد لفهم الدين يكون فيه أحياناً تبرير لوجود السلطة الدينية التي تحتكر التفسير وقد تخطئ أكثر مما تصيب. ولذلك قامت حركات الإصلاح الديني مثل البروتستانتية ضد السلطة الدينية، سلطة الكنيسة، وعصمة البابوات. كما حاولت السلطة الدينية في اليهودية، سلطة «السنهادرين» تكفير كل المفكرين الأحرار في اليهودية مثل اسبينوزا ومحاولة اغتياله. وفي العصر الحديث حُرق جيوردانو برونو في روما بقرار من الكنيسة ومحاكم التفتيش لأنه قال بنظرية جديدة في الكون. وسجن جاليليو لأنه قال بدوران الأرض حول الشمس.
فالسلطة الدينية هي التي قد ترى أن هناك منهجاً موحداً لفهم الدين هو فهمها هي دون غيرها، احتكاراً للتفسير وطلباً للسلطة. وهي في ظاهرها دينية وفي حقيقتها سياسية. هي «الفرق الناجية» وسواها «الفرق الضالة الهالكة»! ولم يفترق الدين الشرقي عن الدين في الغرب، فقد هرب بوذا من سلطة رجال الدين. وهامَ على وجهه في الصحراء بحثاً عن الحقيقة الطبيعية بدلاً من الحقيقة المؤسسية. بل يتعدد المنظور، وتختلف الاتجاهات. فالحق النظري متعدد، والحق العملي واحد، هو تحقيق مصالح الناس. وللمجتهد المخطئ أجر وللمصيب أجران. وكان الأنبياء قديماً يمثلون سلطة دينية بديلة وفهماً دينياً جديداً غير سلطة الأحبار. فثار المسيح على الفهم الحرفي الشعائري الخارجي الذي انتهى إلى نفاق الفريسيين وأعطى فهماً روحياً أخلاقياً إنسانياً للدين بدل أن يتحول معبد الدين إلى دكان.
وكانت الكنيسة في العصر الوسيط تمثل السلطتين معاً، الدينية والسياسية، لا فرق بين البابا والإمبراطور. ثم حدث النزاع بين السلطتين، ونشأت العصور الحديثة بالفصل بينهما. وفي ترايخ الوطن العربي كان رجال الدين يستخدمون أحياناً كمساعدين للنظام السياسي للتحكم في الناس من خلال البرامج الدينية. وقد أفرز هذا الوضع عدداً من الأمثال العامية في الاتجاه نفسه مثل «المكتوب ما منوش مهروب»، و«الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح».. الخ.