في أفق إجراء انتخاب و تجديد نقباء و أعضاء مجالس هيئات المحامين على الصعيد الوطني المزمع إجراؤها في غضون أواخر الشهر الحالي.
شرع المرشحون لمنصب النقيب بهيئة مراكش العتيدة في تكثيف لقاءاتهم مع المحامين الموجودين بالأقاليم التابعة لنفوذ الهيئة , يعرض كل واحد البرنامج الذي سيسهر على تطبيقه خلال فترة ولايته هو و فريقه من زملائه الذين سيفوزون بعضوية المجلس . و كان لزاما على النقيب و أعضاء المجلس الانسجام حول برنامج موحد و بالتالي يأتي دور المحامين الذين تتكون منهم الجمعية العمومية كجهاز تقريري ليكونوا سندا للنقيب و أعضاء المجلس و ذلك بالحرص على أخلاقيات المهنة بهدف استرجاع المهنة النبيلة للمكانة اللائقة بها و يتعلق الأمر بالكفاءة و النزاهة و المصداقية و الجرأة و التضامن .
و كل لقاء بين الزملاء و المرشح لمنصب مؤسسة النقيب يطغى عليه نقاش حول أوضاع المهنة و ما آلت إليه أوضاع المحامين في الوقت الراهن و ضرورة مراجعتها و العراقيل التي تحول دون أداء رسالتهم و على رأسها موضوع الضريبة و الوضع الاجتماعي للمحامي الذي أصبح أكثر حدة منذ بداية العقد الأخير من الألفية المنصرمة حيث يعاني أغلبهم من قلة الدخل لا تتناسب مع الأعباء الملقاة عليهم.
و يرجع الأمر إلى الركود الاقتصادي الذي يعرفه المغرب منذ بداية التسعينات و ازدياد عدد الملتحقين بالمهنة بدافع عدم وجود فرص الشغل و ليس بالقناعة و الإيمان بمبادئ الدفاع عن الحقوق و الحريات و الديمقراطية و استقلال القضاء و في ظرف يتميز بتنامي البطالة خاصة في صفوف الشباب الحاملين لشواهد عليا تزامنا مع تزايد آفة الفقر و انحطاط القدرة الشرائية لفئات عريضة من المواطنين الأمر الذي يشكل لمحامي و إضافة إلى ما تعرفه المرحلة من ترد للحريات و انتشار روح المحسوبية و الزبونية و استغلال النفوذ و الرشوة و من تم كان من الطبيعي ان ينعكس الأمر على القضاء و نزاهته و استقلاليته مما أدى إلى إفساد هذا الجهاز الذي تسرب إلى المهنة , و مما زاد في تعميق هذه الوضعية عدم توفر الإرادة لدى الحاكمين لإصلاح القضاء و تحصين الدفاع و مما زاد في تأزيم وضعية المحامي و القاضي انحطاط الوعي لدى غالبية المواطنين الذين أصبحوا ميلا للتسلق إلى مركز القرار و السعي لقضاء مطالبهم بكل الطرق الملتوية و استعمال الوسطاء و السماسرة من مختلف الجهات ذات العلاقة بالمهنة هؤلاء هم مصدر الفساد و الإساءة للقضاء و المحاماة .
أما الذي يجب فهمه أن الانحصار الذي عرفه الاقتصاد في المغرب كما سلف ذكره قد أسفر عن أزمة الشغل لم يجد متنفسا إلا في حقل المحاماة الذي يعرف تزايدا من الملتحقين به .
و في الحقيقة إن هذا الأمر لم يكن عفويا بل بقدر ما كان مخططا له, و بعد أن أجهزت طيلة سنوات الجمر على أدوات النضال الجماهيري الذي يقوده المحامون التقدميون المنخرطون في صفوف الأحزاب الوطنية و الديمقراطية و هؤلاء هم من كان يحضون بثقة المحامين و يحسنون اختيارهم لأغلبية النقابات المهنية في البلاد و لذلك ارتئي التخلص مما يمكن أن يصطل ح عليه شغب المحاماة و عنادها و تدميرها كآخر معقل للدفاع عن حقوق الجماهير و طموحاتها فعمدت الى قلب المعادلة المجتمعية من انتعاش اقتصادي و انحسار سياسي , إلى انفتاح سياسي على هشاشته مقابل احتقان اقتصادي , إلى إغلاق المنافذ في وجه الخريجين ما عدا وجهة المحاماة بعد التهيؤ لذلك بالتعديل الذي طال ولوج شروط المهنة , و في هذا الصدد فإذا كان الهدف المناوئين لمهنة المحاماة فعلى جميع المحامين أن يكونوا في مستوى اختيار زملاء مؤهلين لمنصب مؤسسة النقباء و أعضاء المجالس للدفاع عن مصداقية المهنة و كرامة المحامي , ذلك أن المحامين انخرطوا في معركة التحرير و الاستقلال و كانوا في مقدمة معركة الحرية من أجل الوطن , و للتذكير فانه وبعد هيكلة جمعية المحامين وطنيا بادروا إلى الدفاع عن حق الشعب المغربي في التعليم و محو الأمية , لأن القضاء على الجهل هو بداية الطريق لاكتساب الوعي بالمصالح , و القدرة على حمايتها , كما دافعوا عن الحق في الشغل و العيش الكريم , و كذلك الحق في حرية التعبير و التنظيم للدفاع عن مصالحهم , كما ساهموا في تطوير القوانين في كل المجالات , و هم الذين رفعوا شعار الدولة الديمقراطية و دولة الحق و القانون و استقلال القضاء , و كانت مبادراتهم أيضا في تأسيس المنظمات الحقوقية حيث توجت بتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أسفرت عنه لجنة المصالحة و الإنصاف , و انخرطوا في الأحزاب السياسية التقدمية و الديمقراطية و بمؤهلاتهم أصبحوا على رئاسة قيادة الأحزاب اليسارية و حتى بعض الأحزاب اليمينية و نجحوا في المسؤوليات المنوطة بهم في أجهزة الدولة و خارجها , و كان الاتحاد الاشتراكي نموذجا حيث تداول على قيادته محامون يشهد لهم النظام السياسي بالكفاءة و النزاهة و المصداقية .
مر وقت استهوت مهنة المحاماة أسر ملكية و اغلب رؤساء الدول الغربية كانوا يزاولونها وقد مارسها كبار الفقهاء الرومان الذين ساهموا في وضع النظريات القانونية التي يقوم عليها النظام القانوني في الوقت الحاضر, و هكذا فان الانتخابات المهنية تأتي في ظرفية يواجه فيه المغرب تحديات داخلية و خارجية الأمر الذي يفرض على المحامين استيعاب طبيعة المرحلة ليسايروا من جانبهم تطورات العصر كما كان لزاما عليهم أن يكونوا في مستوى اختيار المؤسسات التي تمثلهم و يسترجعوا دورهم للدفاع عن مهنتهم و كرامتهم و يسترجعوا مصداقيتهم بالكفاءة و النزاهة و الجرأة في قول الحق لا يخافون لومة لائم. و الدفاع عن الحقوق و الحريات و استقلالية القضاء و نزاهته و محاربة عناصر الإفساد أسرة العدالة. و في جميع الأجهزة المرتبطة به و قوتنا تكمن في اتحادنا و تضامننا لمواجهة التحديات التي يواجهها المحامون من جميع الجهات من أجل أن تكون نقابة المحامين العتيدة في مراكش بل كل النقابات في المغرب في مستوى الرهانات التي تنتظر المحامين المغاربة.
ذ.علي المرابطي / وارزازات