الحلم من أكثر كلمات لغتنا استخداما و إثارة للقلق و الإرباك و على الرغم من استعمالنا الكثير لهذه الكلمة ، إلا أن أقلية منا هي التي تدرك المعنى الحقيقي لمفهوم الحلم و تسعى لتحقيقه بينما الأغلبية لا تدرك هذا المعنى و تكتفي بانتظار تحول أحلامها إلى أوهام أو كوابيس. شخصيا أتمنى الانتماء إلى الأقلية السالفة الذكر و التي تجيد ممارسة الحلم و إن كان هناك أحلام مهمة من بين أحلامي الكثيرة التي أتمناها لبلادنا ، و نحن نستعد لاستقبال سنة جديدة ، فهي تلك التي تخص رياضتنا الوطنية و الذي أتمنى أن تكون من بين تلك الأحلام القليلة جدا التي تتحول في الحياة إلى واقع و حقيقة حيث نفتخر نحن كمغاربة أننا استطعنا القيام بذلك في العديد من الميادين.
لا بد من التذكير أن الرياضة فى القرن 21 هى صناعة يتم فيها الإنتاج و الاستيراد و التصدير و الدخول إلى البورصات والمكسب و الخسارة و بالتالي فهي ليست للترفيه والتسلية أو تضييع الوقت. وكرة القدم على وجه الخصوص بالإضافة إلى كونها صناعة فهي لها من التأثير ما يجعلها تقرب بين الشعوب و تشكل متنفسا لهذه الأخيرة في زمن العولمة بتخويلها إمكانية التعبير عن انتمائها لمنتخب معين أو ناد ما و بالتالي لا أحد يستطيع أن يتصور في عصرنا الحالي عدم وجود كرة القدم فى دولة ما.
بعد خيبات الأمل المتواصلة و السنوات العجاف التي طالت، شكلت الرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمشاركين في مناظرة الصخيرات (2008/10/24 و 2008/10/25) لحظة فارقة في تاريخ الرياضة الوطنية  و خطوة حاسمة لتشخيص الحالة التي توجد عليها ، كما اعتبرت خارطة طريق وجهت نحو الأفكار الكفيلة بحل مشاكل هذا القطاع و الرقي به ليساير التطور السريع الحاصل على المستوى الدولي. شكلت هذه اللحظة التاريخية منبع تفاءل لكل المغاربة، إلا  ” المتطفلين عليها، للارتزاق أو لأغراض شخصية ” كما ذكر جلالة الملك في رسالته السامية ، لقرب تحول أحلامهم ، التي تخص هذا القطاع ، تدريجيا إلى واقع و حقيقة. و لا يمكن أن ينكر أحد أن إرادة الإصلاح ظهرت بعد هذه المناظرة بتعبئة ، على الخصوص ، مجموعة من الموارد المادية لبدايته إلا أنه بعد تسع سنوات نلاحظ من خلال النتائج المحققة أن الإرادة و الإمكانيات المادية ، و إن كان ضرورية ، فإنها لا تكفي لتحقيق التأهيل المنشود و الوصول إلى الأهداف التي تم تسطيرها.
سبق و أن تطرقت لهذا الموضوع بتدقيق في مقال سابق ، و إن كنت اليوم أربط كل هذا بموضوع البنية التحتية فلأن التناول الصحيح لهذا الأخير يجب أن يتم في إطار تقييم شامل لما تحقق بعد تسع سنوات من توجيه الرسالة الملكية السامية إلى مناظرة الصخيرات و لأن وقفة تأمل أصبحت تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى بالنسبة لكل الجوانب المتعلقة برياضتنا لمعرفة إن كنا نسير في الاتجاه الصحيح أم أن بوصلتنا الرياضية يجب أن تأخذ اتجاه آخر. بالنسبة لموضوع البنية التحتية فجميع المتتبعين يلاحظون ، و نحن نعيش زمن الاحتراف ” الهاوي ” لحد الآن ، أن مجموعة من فرق صفوتنا بما فيها هرمي الكرة الوطنية الوداد و الرجاء البيضاويين زالت مضطرة للرحيل بعيدا عن مدنها لإجراء مبارياتها و هو ما يشكل دليل آخر على أن ملف البنية التحتية الكروية ما زال في حاجة إلى مقاربة مختلفة و هناك مجموعة من الوقائع ، لا مجال لذكرها الآن ، جعلتنا نفهم ذلك بالملموس.
كما سلف الذكر ، مقاربتنا لإشكالية البنية التحتية الرياضية و الكروية على وجه الخصوص ، لأن كرة القدم هي القاطرة التي تجر قطار الرياضة الوطنية ، تتطلب إعادة نظر لأن أي حديث عن تطوير كرة القدم يجب ألا ينفصل البتة عن هذه المقاربة و مدى ملاءمتها لواقعنا ، فالخيارات الاستراتيجية التي اعتمدت في هذا المجال منذ بداية الحديث عن التأهيل و ولوج الاحتراف أتبتث محدوديتها إن لم نقل عدم جدواها في الكثير من الأحيان كالقرار الذي اتبع منطق تزيين المساحات الخضراء بتزفيتها و القاضي بتكسية جزء كبير من ملاعب النخبة بعشب اصطناعي أثبتت الأيام أنه ذو جودة منخفضة. قرار سار عكس ما هو متعارف عليه دوليا بأن كرة القدم تمارس بشكل أفضل فوق العشب الطبيعي بالإضافة إلى أن ملاعب العشب الاصطناعي (بالنسة لفرق النخبة) لا يمكن أن تحمل القيمة المضافة المطلوبة وان أتينا بالمقبول من قبل” الفيفا ” من الجيل الثالث أو الثاني أو الأول فكلهم واحد و مضر (وخطر في بعض الأحيان) على صحة اللاعبين واسألوا الأندية التي كانت لديها مثل هذه الملاعب، وبالتالي كان الإصلاح الكروي المنشود مقرونا دائما بتوفير ملاعب بالعشب الطبيعي لفرق القسمين الأول و التاني. وحسنا فعل المكتب الجامعي الحالي ب” إرجاع ” العشب الطبيعي إلى ملاعب النخبة و أضع أكثر من خط على العشب الطبيعي و بالاستمرار في استعمال العشب الاصطناعي فقط في ملاعب الهواة و مراكز التكوين كما هو الحال في الدول المتقدمة كرويا. من المؤكد أن قرار ” العشب الاصطناعي” أدى بالخزينة العمومية إلى صرف أموال طائلة على أرضيات كتب لها، لحسن حظ كرتنا، ألا تعمر كثيرا في ملاعب النخبة ، و رغم أن هناك وجود إمكانية استعمال العشب الذي أزيادل في تجهيز ملاعب الهواة و القرب و مراكز التكوين إلا أن ذلك لم يمنع من أن الخزينة العمومية كانت و ما زالت مضطرة لصرف أموالا جديدة لتنفيذ قرار المكتب الجامعي و بالتالي هناك مشكل حقيقي في كيفية اتخاذ هذه النوعية من القرارات الاستراتيجية التي تهم بنيتنا التحتية الكروية بحيث يصبح التساؤل مشروعا هل تمت على سبيل المثال لا الحصر استشارة المعنيين بالأمر أي الفاعلين الكرويين من إدارة تقنية وطنية و لاعبين و مدربين و مسييرين و إعلاميين قبل إقرار تكسية ملاعب النخبة بعشب اصطناعي؟ هل تم ، قبل ظهور فكرة العشب الاصطناعي ، التفكير مثلا في تحيين الإطار القانوني الذي ينظم تدبير شؤون ملاعبنا بجعل أندية النخبة شريك بشكل أو آخر في هذا التدبير؟ مثل هذه الشراكة لا يمكن لها إلا أن تعود بالنفع على جميع الأطراف. هل يشكل إحداث تلك الوكالة المختصة بتدبير المركبات الكبيرة الجواب الأمثل و الأنسب لأجرأة جزء من هذا التحديث؟ هل يعقل بعد الاستثمارات العمومية المهمة التي خصصت للبنية التحتية الكروية أن تستمر فرق عريقة في البحث و نحن نعيش في زمن الاحتراف عن ملعب لإجراء مقابلة نهاية الأسبوع؟
هذه الأسئلة تجرنا إلى التساؤل حول مردودية خيار تشييد الملاعب الكبيرة عبر الاستثمار العمومي المخصص للبنية التحتية الكروية لأن احترافنا الفتي يجعلنا ، على الأقل في الوقت الحالي ، لا نتكلم عن الاستثمارات الخاصة في هذا المجال أما على المدى المتوسط و الطويل سيكون ذلك مرادفا لنجاح احترافنا الكروي.
بعيدا إذن عن منطق الربح و الخسارة هل كان ذلك هو الخيار الأمثل للاستفادة من ذلك المجهود الاستثماري للدولة في ظل ظرفية اقتصادية صعبة ،  ألم يكن هدف إنجاح هذا الاحتراف يستلزم بناء ملاعب متوسطة الحجم، تستجيب للمعايير الدولية، في مناطق متعددة (طاقتهم الاستيعابية بين 20000 و 30000 مقعد) بدل الملاعب الكبيرة التي شيدت و الاكتفاء بمركبين كبيرين بالرباط و الدار البيضاء و يجب الإشادة في هذا الباب بالفكرة التي طبقت بالقنيطرة و آسفي و الجديدة و اخريبكة و ذلك بإعادة تهيئة ملعبها و الزيادة في طاقتها الاستيعابية. هذا الخيار كان بإمكانه أن يكون أكثر ” إنتاجية ” إذا عمم بالنسبة للظرفية الكروية الحالية في بلادنا. و هنا يمكن الرجوع إلى التجربة اليابانية الفتية في هذا المجال و التي اعتمدت هذا الخيار (ملاعب ذات طاقة استيعابية لا تتعدى 15000) عند انطلاق احترافها الكروي بداية التسعينات.
يمكن كذلك ملاحظة أن أكبر الملاعب في البطوة البلجيكية هو ملعب لييج و يسع ل30023 مشجع أما ملعب الملك بودوان بالعاصمة بروكسيل (يسع ل50024 متفرج) فلا يحتضن إلا نهاية كأس بلجيكا و مقابلات المنتخب البلجيكي بالإضافة إلى ملتقى فان دام لألعاب القوى. هذا الخيار بإمكانه أيضا أن يمنح بعض الضمانات لتفادي الخسارة عند احتضان بلدنا للتظاهرات الكروية الدولية و بالتالي تفادي ما وقع لمجموعة من الدول التي اختارت تهييء مركبات عملاقة ، لا علاقة لها بالممارسة الرياضية المحلية ، عبر الاستثمار العمومي لتنظيم تظاهرات دولية كبرى فتكبدت خسائر فادحة ككندا التي لم تنه من تسديد ديون الألعاب الأولمبية لسنة 1976 إلا بد 30 سنة أي سنة 2006. اليونان من جهتها التي لم تستطع استغلال ما بنته بعد انتهاء الألعاب الأولمبية لسنة 2004 فشهدت معظم المركبات الأولمبية خرابا طيلة العشر سنوات الماضية و كان تنظيم الألعاب بتلك الطريقة أحد الأسباب الرئيسية للأزمة التي كادت أن تؤدي إلى إفلاس اليونان الاقتصادي. 
هناك كذلك مثال جنوب إفريقيا (كأس العالم 2010) التي لم تستطع الحصول على عائدات مادية من الملاعب الجديدة التي تم إنشاؤها خصيصا للبطولة فإنشاء ملعب كيب تاون وحده كلف 450 مليون يورو لكن بعد انتهاء المونديال قررت الشركة التي أدارت أعماله خلال البطولة التخلي عن التزامها بتأجيره لمدة 30 عاما و واجهت ملاعب سوكر سيتي ، و بولوكوين ، و بورت إليزابيث وضعا اقتصاديا صعبا كذلك بعد أن عجزت عن استضافة أية أحداث هامة بانتهاء المونديال. مثل هذه التجارب من الممكن أن تفيدنا حتى نتمكن من اعتماد الخيارات المثلى لتجربتنا.
في الأخير نأمل بأن يكون  استقبال سنة جديدة فاتحة خير على الرياضة الوطنية ، تتحول خلالها أحلامنا التي تخصها إلى واقع و حقيقة و منها على الخصوص مقاربة جديدة لموضوع البنية التحتية الكروية بأفكار مختلفة تشكل دعائم سليمة و متينة لاحترافنا الكروي (“الهاوي” لحد الآن) حتى يكون نتاجه إيجابيا لا أن تقوم على أساس هش ما يلبث أن يتدهور فيحدث ما لا يتمناه أي غيور على الكرة الوطنية.
الاثنين 18 دجنبر 2017./ 01 ربيع الثاني 1439 هج.

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…