من بين القضايا المستعصية التي كَبُر حجمها في المدن المغربية، ظاهرة الأسواق العشوائية وما يسمى بالباعة المتجولين، التي تنبت في كل مكان، وتجتاح الفضاء الحضري، ليس في وسط المدينة فقط، بل في مختلف أطرافها، مما أصبح يطرح مشاكل حقيقية، متعددة ومعقدة، يصعب تقديم حلول جاهزة لها.

فهناك من جهة، الحاجة التي تدفع عددا لا يستهان به من المواطنين، إلى احتراف هذه المهنة، لأن لا بديل لهم غيرها، من أجل كسب قوتهم وقوت عيالهم اليومي، وهناك من جهة، ما يؤدي إليه تضخم الظاهرة، من منافسة غير عادلة لأصحاب المتاجر، بالإضافة إلى احتلال الأرصفة والشوارع والساحات، الأمر الذي ينتج عنه تشوه كبير في المدن، التي تتحول فيها شوارع فخمة وفضاءات تاريخية، إلى مجرد عشوائيات.

الظاهرة ليست جديدة في المغرب، لكنها تضخمت في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع معدلات البطالة والزيادة المتواصلة في أعداد النازحين من القرى نحو المدن، الأمر الذي جعل منها معضلة حقيقية، تحتاج إلى علاج جذري، لأن وتيرة الانتفاخ اللامحدود لمثل هذه الأسواق ولما يسمى اليوم، «الفرّاشة»، تؤكد أنها لن تتوقف تلقائيا، بل إن الوضع يتطلب سياسة عمومية في هذا الشأن.

لا يمكن بأي حال من الأحوال، رمي عشرات الآلاف من المواطنين الذين يمتهنون هذه المهنة، العشوائية وغير المنظمة، إلى الضياع التام، رفقة أسرهم، مادامت ليست هناك بدائل حقيقية لإدماجهم في سوق الشغل والاقتصاد المنظم، غير أن السماح للظاهرة بالتهام الأرصفة والشوارع والساحات والجدران، كما حصل في مدينة تطوان وغيرها من المدن المغربية، يستدعي البحث عن حلول واقعية، تحفظ التوازن الاجتماعي وتحترم القانون وتراعي مصالح الساكنة والتجار وجمالية المدن.

المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، فقد عرفتها مجتمعات أخرى، وتمكنت من التقدم في معالجتها، عبر مختلف الطرق والوسائل، التي ينبغي دراستها، للاستفادة منها، غير أن الذي يمكن قوله في هذا الصدد، هو أن المغرب تأخر كثيراً في تبني سياسة عمومية شاملة، تتدخل فيها مختلف المؤسسات من حكومة وجماعات منتخبة وسلطات محلية وغيرها، للتعاون والتنسيق في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والحضري.

 

الخميس 14 نونبر 2017./ 26 ربيع الاول 1439 هج.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…