من المنتظر أن تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الوضع العربي الراهن، أَن تخطو خطوة أخرى، في اتجاه تكريس الاحتلال الإسرائيلي، على الأراضي الفلسطينية، بالاعتراف الرسمي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، حيث تعتبر الأوساط الامبريالية، رفقة إسرائيل، أن الفرصة مواتية، لتنفيذ هذا الوعيد.
وفي الحقيقة، لن تجد إسرائيل وحلفاؤها، أفضل مرحلة، من تلك التي تجتازها الشعوب العربية اليوم ، في أجواء من الاقتتال الطائفي والديني والقبلي والأهلي، حيث انقرضت كيانات، تقريباً، ومازالت أخرى تجتر مشاكلها الداخلية، ولا تنتج غير المآسي، في الوقت الذي تتقدم فيه إسرائيل، على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، لتستبق الزمن، وتتفوق تفوقاً تاريخيا على محيطها العربي، المأزوم والمشلول.
لم تكن إسرائيل في وضع أفضل مما هي عليه الآن، إذ تمكنت القوى المتحالفة معها، من نقل الصراعات إلى داخل الدول العربية، فقضت على العراق، الذي كان يشكل أكبر تحدٍ لها، على المستويات العلمية والعسكرية، وأنهكت سوريا، ونصبت في كل البلدان الأخرى، تقريباً، أفخاخاً، قد تعمل في أي لحظة.
غير أن كل هذه المخططات والحروب بين الدول والصراعات القاتلة، وغيرها من المواجهات الدامية والاستراتيجية والديبلوماسية، تتم بأدوات محلية. فلم تعد القوى الإمبريالية في حاجة إلى التدخل المباشر، إلا بشكل استثنائي.
فهناك من يقوم مقامها، سواء من الميلشيات المتشددة، أو من بعض الحكومات العميلة، التي تلعب اللعبة، بشعارات مختلفة، لكنها في نهاية المطاف، تصل إلى المبتغى، ألا وهو مزيدٌ من التشرذم والتجزئة والتناحر.
لذلك، يتعين على الشعوب العربية أن تنتظر الأسوأ، لأن القادم، لن يكون سوى انعكاسٍ لموازين القوى في الساحة الإقليمية والدولية، التي تتفوق فيها إسرائيل وحلفاؤها، بشكل لم يسبق له مثيل. فهي اليوم، في رحلة استجمام، لا توجد أي قوة عربية تهددها، حيث تراجع الوضع العربي، إلى حالة غير مسبوقة من الضعف والانحلال، وساهمت في كل هذا دول من المنطقة نفسها، وضعت نفسها في خدمة هذه المخططات، بالتمويل وتوفير الأرضية الإيديولوجية والتنظيمية، لإنجاح هذه الممارسات بأيادٍ محلية.