يلوح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس ،مشهرا هذا الإجراء كخطوة لتنفيذ وعد خاض به حملته الانتخابية، التي أوصلته إلى البيت الأبيض حوالي سنة. وترامب هذا، الذي أثث خطابه الانتخابي بكل التوابل المفضلة لدى الكيان الإسرائيلي، يرى أن نقل السفارة من تل أبيب، هو اعتراف بجميل الدعم المالي والسياسي، الذي أغدقته عليه، وهو يخوض معركة الانتخابات المؤسسات المالية والتجارية والصناعية والإعلامية المملوكة للإسرائيليين بالأساس.
إنها خطوة خطيرة، قد تعد اغتصابا جديدا لفلسطين، التي يناضل شعبها ومنذ سبعة عقود وأكثر ضد احتلال أرضه من طرف الصهاينة .وقدم بذلك تضحيات جساما، وعانى من كل صنوف القمع والقهر والتشريد والمجازر والتهويد من أجل :» تحرير فلسطين وعاصمتها القدس الشريف».
ونحن نتذكر تأكيد هذا الهدف من طرف الرئيس أبو عمار في المجلس الوطني الفلسطيني في دورته ال 19 بالجزائر في 15 نونبر من سنة 1988 الذي أصدر « وثيقة إعلان الاستقلال»، وأعلن «قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف».
الخطوة التي يلوح بها دونالد ترامب، ستكون لها عواقب خطيرة، لأنها قد تدمر مفاوضات عملية السلام، وتكرس الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وتدفن كل وعود الإدارة الأمريكية بأن تكون مشرفا على هذه المفاوضات من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، عبر المسلسل العسير والصعب لهذه المفاوضات وخاصة خيار الدولتين، الذي يرى فيه العالم الحل الذي قد يضع حدا للصراع العربي الإسرائيلي. وهنا نشير إلى أن أول تصريحات ترامب كانت تراجعا عن هذا الخيار.
الخطوة كذلك تتعارض وقرارات الأمم المتحدة .وهنا نشير إلى أنه حين أقرّ الكنيست الإسرائيلي سنة 1980، قانوناً بإعلان القدس عاصمة للدولة العبرية، ردّ مجلس الأمن بقرارين، رقم 476 ورقم 478 .هذا الأخير، الذي اعتمد في 20 غشت 1980، وهو واحد من سبعة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، أدانت فيها محاولة إسرائيل ضم القدس الشرقية، حيث أدان قانون القدس لعام 1980 الذي أعلن أن القدس هي عاصمة إسرائيل «الكاملة والموحدة»، باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي. و نص القرار الأممي على أن المجلس لن يعترف بهذا القانون…
إن قضية القدس الشريف بالنسبة للأمة الإسلامية قضية مركزية كما أكدت على ذلك أكثر من مرة لجنة القدس التي يرأسها جلالة الملك ،باعتبارها تقع في صميم الحل السياسي، وأن المساس بهذه المدينة وبالمسجد الأقصى، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والعنف واليأس، وسيقود إلى نتائج وخيمة على المنطقة، ومن شأنه أن يقضي على أي فرصة لتحقيق السلام. وهنا نشير إلى ما أعلنه جلالته في دورة اللجنة بمراكش سنة 2014 «أن القدس هي جوهر القضية الفلسطينية، وأنه لا سلام بدون تحديد الوضع النهائي للقدس الشرقية، كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة».
لذلك، فإن خطوة ترامب مرفوضة لأنها انتهاك للحق التاريخي للشعب الفلسطيني، ومس فظيع بأحد الأمكنة المقدسة لدى الأمتين العربية والإسلامية، ولأنها تهدد السلام . ولا خيار سوى دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.