قد يبدو الأمر عاديا كلما أقدمت السلطات الأمنية لدولة ما على توقيف مواطنة أو مواطن أجنبي يريد دخول ترابها عبر أحد مطاراتها، إما لكونه مبحوثا عنه أو للاشتباه في انتمائه لإحدى المنظمات الإرهابية أو أثناء العثور بحوزته على أشياء ممنوعة… لكن أن يتم احتجاز عضو بالبرلمان المغربي ليس بسبب تهريب المخدرات أو العملة، بل لعدم توفره على تأشيرة الدخول، فذلك أوج السخف والبلاهة ويطرح أكثر من سؤال حول مدى كفاءة وأهلية ممثلي الأمة بوطننا الحبيب.

     وهذا ما بدا واضحا في حالة “نائبة” برلمانية من الفريق النيابي للحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، والتي لا تندرج ضمن قائمة أولئك النواب “الأميين”، الذين سبق لرئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، أن كشف عن معطيات صادمة حول مستوياتهم التعليمية، حيث أكد نهارا جهارا على وجود 100 عضو من أصل 395 نائبا برلمانيا غير حاصلين على شهادة البكالوريا، وأن 19,49 بالمائة لا يتجاوزون مستوى التعليم الثانوي، و4,56 بالمائة التعليم الأساسي، فيما 5 بالمائة لم يلجوا قط فصول الدراسة.

      وجدير بالذكر في هذا الإطار أن الحكومة السابقة بقيادة الأمين العام لنفس الحزب الحاكم حاليا، كانت قد رفضت لأسباب غير مفهومة مقترح قانون يقضي بإقرار شهادة البكالوريا شرطا أساسيا، للترشح إلى الانتخابات البرلمانية، حتى يكون بإمكان النائب البرلماني الانخراط الإيجابي في تطوير أشغال المؤسسة الدستورية وتجويد الأداء التشريعي والرقابي…

      ولمن لا يعرف من تكون البرلمانية “البيجيدية” المعنية؟ فهي بإيجاز تام المدعوة: ماجدة بنعربية، موظفة بالمديرية الجهوية للضرائب بمدينة فاس، ظفرت بمقعد برلماني ضمن اللائحة الوطنية للنساء في استحقاقات 7 أكتوبر 2016، عضوة بمجلس الجماعة الحضرية لثلاث ولايات متتالية، بالإضافة إلى أنها النائبة الرابعة لرئيس جهة فاس- مكناس، وتتابع دراساتها العليا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، شعبة الماستر “الأسواق المالية التشاركية”. ومن خلال هذه المؤهلات وغيرها، يبدو أنه غير مسموح لها بارتكاب أي حماقة من شأنها التأثير على مستقبلها السياسي. لكن الغالب الله !

      ترى ما الذي حدث هناك بمطار بون الألماني وأدى إلى استنفار كبار المسؤولين في نهاية الأسبوع ما قبل الأخير من شهر نونبر 2017؟ كل ما في الأمر أن ماجدة “النائبة” وليس المغنية اللبنانية، وبصرف النظر عن المأزق الذي وضعت فيه نفسها وأساءت من خلاله إلى سمعة بلادها، وما أثار من ضجة عارمة وردود أفعال قوية، منها الساخرة ومنها الساخطة، منها ما راج على نطاق واسع بصفحات التواصل الاجتماعي، ومنها ما تناولته الجرائد الإلكترونية والورقية، فإننا نقف مشدوهين أمام من منحهم الناخبون على قلتهم أصواتهم، متوسمين فيهم خير مدهم بقبس من نور يرفع عنهم ظلمة العيش، وأن يكونوا في مستوى تحمل المسؤولية بصدق وأمانة، للارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية. لاسيما أن المعنية بالأمر ذات مستوى تعليمي عال، وراكمت من الخبرة في مجال عملها الأصلي بالإدارة وفي تدبير الشأن المحلي بمجلس الجماعة الحضرية وجلس النواب، ما يؤهلها للاضطلاع بدورها النيابي على أحسن وجه…

      ذلك أن أمن مطار بون الألماني احتجزها لمدة استمرت زهاء 12 ساعة، بتهمة محاولة دخول ألمانيا بطريقة غير قانونية، جراء عدم حصولها القبلي على تأشيرة العبور، معتقدة أن جواز السفر الممنوح لها من قبل إدارة مجلس النواب، يخول لها الحق في جوب البلاد طولا وعرضا، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، دون الحاجة إلى تأشيرة ولا هم يحزنون. أليست برلمانية وذات حصانة؟ ولولا أن الخبر بلغ إلى علم أحد الوزراء القياديين بالحزب نفسه، الذي كان متواجدا هناك، واتصاله برئيس مجلس النواب، الذي اتصل بدوره بمصالح الشؤون الخارجية، وتدخل وفد من السفارة المغربية لدى السلطات الألمانية، لتطورت الأمور إلى ما هو أسوأ ولما تم الإفراج عنها ومنحها تأشيرة مؤقتة لمدة خمسة أيام. ومن ثم التحقت بزملائها أعضاء مجلس الجهة، الذين تخلوا عنها فور توقيفها عوض الوقوف إلى جانبها ومؤازرتها في تخطي محنتها.

      فحالة الشرود هذه وغيرها من الفضائح، هي التي تزيد في تأجيج غضب الشارع وحنق المواطنين، الذين ما فتئوا يطالبون بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء، والحد من تعدد الأجور والتعويضات والامتيازات، باعتبارها ريعا سياسيا يستنزف الخزينة العامة بلا طائل. إذ كيف لمن يرتكب مثل هذه الهنات، أن يكون جديرا بالقيام بمهامه الدستورية؟ والبرلماني حسب المنصوص عليه دستوريا في الفصل 70، عضو بالسلطة التشريعية، له دور محوري في مناقشة مشاريع قوانين الحكومة، ومن بين اختصاصاته الأساسية التصويت على القوانين ومراقبة العمل الحكومي، تقديم مقترحات قوانين، تعالج بعض القضايا المرتبطة بتنظيم العلاقات الاجتماعية، وتكون بديلة لحل عدد من المشاكل المطروحة، وتقييم السياسات العمومية، وهو ما يتعين معه أن يكون على دراية واسعة بالقانون وتداخلاته، فضلا عن دوره الرقابي من خلال مساءلة الحكومة حول تدبير الشأن العام.

      عموما، فالبرلمان مؤسسة دستورية راقية في جميع النظم السياسية المعاصرة، لما لها من أدوار ريادية حاسمة في مجالي التشريع والرقابة على الحكومة، مما يقتضي من الأحزاب السياسية تحمل مسؤوليتها التاريخية، والعمل أثناء الاستحقاقات الانتخابية على انتقاء أجود ما لديها من ذوي الكفاءة والخبرة، والحرص بعد فوزهم على تزويدهم بالوسائل التكنولوجية والدعم الفني لتكوينهم وتعميق مهاراتهم ومعارفهم، حتى يكونوا قادرين على الإسهام بفعالية في تطوير أشغال البرلمان وتجويد المنتوج التشريعي…

 

الاربعاء 10 ربيع الاول1439 هجرية / 29 نونبر 2017.

 

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…