في الجيوسياسة، لا تكون المصادفات من صناعة الحظ..
ويمكن الاستناد إلى هذه المسلمة، في النظر إلى تزامن انعقاد حدثين مهمين يمسان الجغرافيا الدولية والتصورات الجيو اقتصادية..
هناك مدينة مراكش التي تحتضن المنتدى الصيني الإفريقي للاستثمار، في الوقت الذي تحتضن فيه أبيديجان المؤتمر الأورو إفريقي، بتواجد مركزي للمغرب العائد إلى العائلة المؤسساتية.
اللقاء الأول تفعيل لطريق الحرير، مباشرة بعد انعقاد المؤتمر الشيوعي الصيني، الذي يطمح إلى أفق أعلى في تواجد الصين الاقتصادي العالمي.
وبذلك يكون دور الصين في القارة مركزيا في القادم من الأيام..
وباحتضان المغرب لهكذا منتدى، سيكون من المفيد أن نأخذ في عين الاعتبار كون بلد القارة الآسيوية صار الشريك الإفريقي الأول، فقد وصلت المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 190 مليار دولار عام 2016 وباتت أهم من المبادلات مع الهند وفرنسا والولايات المتحدة مجتمعة، حسب أرقام وزعت خلال أعمال المنتدى.
ومن هذا الدور بالتحديد يمكن أن يكون المغرب أيضا منصة متحركة للعلاقات الصينية -الأوروبية.. وبذلك نجد أن انعقاد المؤتمر الإفريقي الأوروبي، بشقه الاقتصادي أساسا لا يمكن أن يغفل هذا البعد الأوروبي – الصيني للقارة الإفريقية، من خلال المغرب…
تلعب الجغرافيا هنا دور الحقيقة الاقتصادية التي لا يمكن القفز عليها، في دراسة العلاقة بين مكونات الاقتصاد العالمي: أوروبا، الصين، والقارة السمراء كمجال مفتوح للاستثمار وأيضا كبلد خصب للإنتاج واليد العاملة…
لقد كان نابليون بونابرت يردد دوما، أن “سياسة بلد ما توجد في جغرافيته”..
لكن أيضا ممكن أن نصدق العكس، أي الجغرافيا اليوم توجد في السياسة، والمقصود بها أن الموقع يقاس بدرجة تطوره السياسي الإصلاحي، وقدرته على ضمان الاستقرار وحريات التنقل والتعبير..
بالنسبة للمغرب يبدو أنه منسجم مع تصوره لجغرافياته السياسية الاستراتيجية ..
ابتداء من تعريفه لدوائر نشاطه وعلاقاته: بشكل يخلق علاقة تواشجية إن لم تكن سببية بين القضايا الاستراتيجية وبين العوامل الجغرافية…
وبلغة أهل الجبر هناك مجموعات يوجد المغرب في تقاطعها: المجموعة الأوروبية، ثم الصين، ثم القارة السمراء..
وأوروبا، في هذا التقاطع تنتمي إلى ما سمته دراسات سابقة “فضاء للموارد الاستراتيجية الكلاسيكية” والذي يضم الدول التي تربطها علاقات اقتصادية وسياسية تاريخية، وضمنها دول الخليج… والتي قام الملك بزيارتها والعمل على تهدئة أوضاعها قبيل اللقاء الأوروبي الإفريقي الحالي..
والصين بدورها تنتمي إلى “فضاء الموارد الاستراتيجية في طور البناء” و يستهدف الدول التي تعتبر جيو-سياسيا وجيو-اقتصاديا مهمة للمغرب، نجد منها أيضا روسيا والهند ….
إفريقيا، والاتحاد الإفريقي مكون رابع قوي، لما فيه من مقومات ” كفضاء التطلع المستقبلي” وهو يشمل إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تربط المغرب بها علاقات تاريخية وجغرافية واستراتيجية….