الأحداث المؤسفة التي شهدها محيط محطة زيان بالدار البيضاء تساءل في العمق سياسة تدبير الهجرة الافريقية في بلادنا وتضع على المحك في الواقع قيم التعددية والتسامح وقبول الاخر كأساساسات وأساسيات تهيكل خطابنا حينما حينما يتعلق الامر بالنظرة الى ذاتنا وهويتنا وتعاملنا مع الوافدين علينا على مر التاريخ .
لنترك جانبا مؤقتا شرارة الأحداث وكيف انطلقت وتطورت المواجهات بين المهاجرين الافارقة وسكّان الأحياء المجاورة فهذا شان التحقيقات الأمنية التي ستكشف عن ملابساته .اننا نود هنا اثارة ما هو بنيوي وأساسي في الموضوع مما لا تعتبر الأحداث سوى تمظهرا من تمظهراته.

والاساسي البنيوي يتبدى في تقديرنا من خلال مستويين :
-مستوى تدبير الهجرة
ومستوى حقيقة التناغم بين الخطاب المعلن من جهة وردات الفعل حينما يتعلق الامر بالمواقف العملية بخصوص الهجرة الافريقية من جهة ثانية .

على المستوى الاول ،وعلى ضوء الوقائع القاءمة نطح التساؤلات التالية :

(1)هل يجوز ان نستمر في الحديث الصاخب اعلاميا عن تسوية وضعية المهاجرين الافارقة في ظل واقع يجعل اغلبهم في وضعية اقرب الى التشرد والتسول منها الى وضعية آدميين يتوفرون على حد أدنى من كرامة العيش وفي مقدمتها سقف يقيهم برد او حرارة الفصول ؟

(2) ما نسبة استفادة المهاجرين الافارقة ممن سويت وضعيتهم القانونية وممن لم تسوى اوضاعهم وهم كذلك جزء من المجموع ،ما نسبة استفادتهم من الخدمات البلدية في حدودها الدنيا (الماء الشروب ،التطهير ،الانارة في تجمعات السكن وجمع النفايات ؟

(3)ما قيمة ذلك الموقف او الراي او الطرح الذي يقول بان سبب ترك الحبل على الغابر من طرف السلطات العامة في مجال الإيواء(وهو ما يجعل التجمعات العشوائية تكبر وتنمو ) هو ان العمل على إيجاد حل للمشكلة سيكون بمثابة إشارة تشجع مزيدا من التدفقات ؟ ما قيمة هذا الطرح من الناحية المنطقية والعملية ،هل نتصور مثلا ان مرشحا للهجرة من غامبيا او غانا سيقطع مشيا على الأقدام ألفي مايل او اكثر لمجرد علمه ان صديقا له يتوفر في تجمع سكني بالمغرب على مترين مربعين يمد فيهما رجله ؟؟!
(سمعت هذا الطرح من مسؤول في وزارة الهجرة في نقاش على هامش لقاء حول موضوع الهجرة منذ سنة،)

بالطبع ليست لدينا معطيات مدققة حول اعداد المهاجرين لكن المعطيات الموثقة من مختلف المصادر (الحكومية وتلك المستخلصة من مراكز البحث) تبين ان العدد هو في حدود الثمانين الف ،معظمهم يتمركز في المدن الكبرى .طيب اذا نحن طبقنا المعايير الدولية المعمول بها في قياس حجم السيولات الهجروية فماذا سنجد .

المعيار الاول نسبة المهاجرين الى عدد السكان الاجمالي ،ماذا تمثل 80000 بالنسبة الى 35مليون نسمة . ؟
المعيار الثاني. نسبة المهاجرين الى عدد الجماعات المحلية ، وهنا يصبح المعطى الاحصائي كما يلي :لو وزعنا 80000على ازيد من 1000جماعة فالعدد سيكون هو 8 مهاجرين لكل جماعة .

للمقارنة فقط في بيروت وحدها هناك ازيد من مليون مهاجر سوري وبالنسبة لمدينة عمان انتقل عدد سكانها بفعل الهجرة السورية في ظرف ست سنوات من مليونين الى اربعة ملايين نسمه حسب ما افاد به مدير مرصد الهجرة في هذه المدينة في ندوة انعقدت ببيروت حضرت اشغا لها هذا الشهر وكان موضوعها هو تدبير الهجرة في الفضاء المتوسطي .

وإذن هل هناك بعد هذا التوضيح حول المعايير وهذه المقارنات مع بلدان عربية اقل حجما واتساعا منا جغرافيا وديموغرافيا هل هناك حقا مبرر لخطاب التضخيم والتهويل في حجم ظاهرة الهجرة الافريقية ؟

ونأتي الى المستوى الثاني :مستوى التناغم في خطابنا العام. بين الهوية المعلنة وبعض ردات الفعل التي تشوش على خصاءص الهوية .

نحن نفتخر ب هويتنا التعددية الطبيعية التي صقلتها معطيات التاريخ وما تمخض عنها من تكريس لقيم التسامح والتعدد وقبول الاخر والمضيافية )hospitalité كخصاءص للشخصية الجماعية للمغاربة ،غير ان بعض ردات الفعل التي تسجل من حين لآخر وحتى بعض المفردات المستعملة في وصف الافارقة المقيمين بيننا تشكل تشويشا جديا حول الصورة التي انطبعت في اذهاننا حول الاخر القادم من أفق بعيد .

وبالنظر لمعطيات عالم اليوم. المتميز بالهجرة المتنامية والتحركات والمسئوليات البشرية في كل الاتجاهات والتي تجعل الفضاءات المدنية حتما معامل لإنتاج التعددية fabrics of diversity ونحن جزء من هذا العالم بالنظر لهذه المعطيات فان المحك الحقيقي مستقبلا لمدى تعدديتنا وانفتاحها سيتوقف ليس على الخطاب المعلن بل على السياسات. المطبقة في مجال الهجرة ومدى احترامها للقيم والمعايير الحقوقية .

وفي هذا الصدد فقد المني ان اقرا هذا الصباح. في افتتاحية بصحيفة المساء حول احداث محطة زيان سؤالا بدا لي نوعا من الاستسلام السهل لردة فعل متسرعة حينما تساءل صاحب الافتتاحية هل من الحكمة مراكمة البءس على البءس وهو يربط بين موضوع الهجرة الافريقية وموضوع الصعوبات التي تواجهها البلاد في تحقيق التنمية لمواطنيها مما ظهر كرجع الصدى لخطاب اعتبر صاحب المقال نفسه انه ليس هو خطاب الأغلبية على كل حال .

لنكن حذرين من خطاب حول الهجرة والمهاجرين تطل من ثناياه كل انواع الأفكار والاحكام المسبقة ونزعات الانكفاء على الذات في عالم محكوم حتما وبطبيعة التطور بالانفتاح والتعدد.

 

الاثنين 08 ربيع الاول 1439 هجرية / 27 نونبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…