تعيدنا الزيارة الملكية إلى كل من الإمارات وقطر إلى الخطاب الذي ألقاه جلالته أمام القمة المغربية الخليجية التي افتتحت يوم الأربعاء 20 أبريل 2016 بالرياض. ولا يمكن في التقدير العام، انتزاع معناها من الصورة التي قدمها عاهل البلاد عن الخليج في الرؤية الجيوسياسية لما بعد الربيع العربي….
ولنا أن نذكر بالمضامين ذات الصلة بهذه الرؤية، وبالتطورات التي تسارعت في المنطقة ورافقت التحليل الذي قدمه المغرب..
لقد تساءل ملك البلاد، وهو يخاطب الملوك والأمراء الموحدين ،وقتها، حول مائدة الاجتماع، والمتحلقين حول العاهل السعودي: ماذا يريدون منا ؟
وأجاب بكل وضوح:” إننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي، فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية”.
وهو يضع بذلك البلاد، في دائرة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ولا يستثني المغرب من المؤامرة.. بل يعتبر أن المغرب ودول الخليج يواجهون “نفس الأخطار، ونفس التهديدات، على اختلاف مصادرها ومظاهرها”.
ومن أهم مظاهر الوضع الجديد هو أن الدول العربية تريد شيئا، و«هم» : الآخرون يريدون أشياء أخرى، وعليه يعيش المغرب ودول الخليج “مرحلة فاصلة، بين ماذا نريد، و كيف يريد الآخرون أن نكون.”
” وهم” لا تعود على روسيا، ولا الصين، ولا الهند ولا غيرها من الدول الصاعدة، لأن الملك تحدث عن تنويع العرض الجيواستراتيجي معها، كما دعا بوضوح إلى تجاوز التركيبة السياسية السابقة عن الوضع الحالي إلى أخرى أكثر تنويعا..
ونفهم بالذات من تحركات الملك اليوم، المعنى المقصود من وراء الفقرة التالية”: هناك تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي”…. وذلك للعشرين سنة القادمة، والتي ستعرف تصدعات غير مسبوقة في المنطقة وتحالفات لم تسبق أبدا، لا شك أنها تنذر بالحروب الرهيبة…
وهناك دعوة، تتراءى من وراء هذا الفهم ، وهي دعوة إلى تجديد العقد الاستراتيجي مع الشركاء، بناء على محددات واضحة المعالم..”
ولعل الزيارة والمساعي المغربية، التي أعقبت فشل المساعي الكويتية في هذا الباب، تكشف بالفعل أن المغرب لا يرى أن الطريقة التي تعالج بها القضايا العالقة بين الدول طريقة سليمة، بقدر ما أنها تسرع المؤامرة!
هناك اليوم وضع جديد بالنسبة للدول التي تسعى إلى أن تكون صاعدة، يشكله التحدي الكامن في عودة الجيوسياسة أو الجغرافيا السياسية،… والمغرب، بنظر العديد من المحللين الذين يرون أن المغرب،” ولكي يجد موقعه في النظام العالمي، لا بد لسياسته الخارجية من أن تكون قادرة على بناء وتقوية شبكاته العلائقية، إضافة إلى الانخراط القوي والمشاركة النشيطة في المنظمات والمؤتمرات الدولية..
ولا يمكن أن يتم ذلك بمعزل عن فهم الدوائر الأساسية في الديبلوماسية المغربية وسياسة البلاد الخارجية..
وقد سبق للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ـ ايفري- أن نبه إلى أن السياسة الدولية للمغرب، ولأسباب استراتيجية، “تركز أساسا على أربعة أبعاد جوهرية .. وعددها كما يلي:
– تموقع إقليمي من أجل تقوية التوازن في منطقته( معالجة الأزمة الليبية مثلا ).
-فضاء للموارد الاستراتيجية الكلاسيكية” والذي يضم الدول التي تربطها علاقات اقتصادية وسياسية تاريخية، وضمنها دول الخليج.
-فضاء “الموارد الاستراتيجية في طور البناء” و يستهدف الدول التي تعتبر جيو-سياسيا وجيو-اقتصاديا مهمة للمغرب، ومنها دول روسيا والهند والصين.
-وأخيرا فضاء التطلع المستقبلي نحو إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تربط المغرب بها علاقات تاريخية وجغرافية واستراتيجية….
ونفهم من هذا التوصيف أن منطقة الخليج هي منطقة مصنفة بالنسبة للمغرب موردا استراتيجيا كلاسيكيا، أي بدهي مثل أوروبا مثلا…، ولا يمكن أن ينأى المغرب بنفسه عن تحولات هذه المنطقة، وهي إلى جانب ذلك معبر نحو الفضاء الجيو استراتيجي الذي يوجد في طور البناء..
وعندما نعود إلى الخطاب الملكي المذكور أعلاه نجد وضوحا شديدا بخصوص هذا الفضاء الذي يوجد في طور البناء.. وقد قال ملك البلاد إن المغرب حر في تحالفاته واختياراته، مع احترام موارده الكلاسيكية، مضيفا” أن المغرب، رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي.وفي هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميزت بالارتقاء بعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة، في العديد من المجالات الحيوية.
كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريبا، إن شاء الله، بزيارة رسمية إليها”..
لا يمكن أن نغفل، في هذا السياق، هذه الخلفية المتماسكة في النظر إلى المنطقة ضمن رؤية جديدة للعالم وتقلباته…?