تعيش البادية بفلاحيها وأراضيها وماشيتها على إيقاع انتظار أن يسقي الله عز وجل عباده و بهيمته بعد أن تأخر المطر عن موعده الطبيعي، ونذر الغيم وحافظ الطقس عن ملامح الصيف بحرارة شمس لافحة تنشر أشعتها على أرض شبه قاحلة.

أصعب وأقسى ما يعانيه الفلاحون المغاربة اليوم، خاصة الصغار منهم وهم سواد البادية هو شبح الجفاف ، لأنه يضع رأسمالهم في خطر، ويهدد معيشتهم التي تعتمد على ما يتم جنيه من الموسم الفلاحي، ويضع مواشيهم تحت وطأة المجاعة .

اليوم، بدأت أسعار مواد العلف ترتفع بشكل يومي. ويوجد الفلاحون وخاصة منهم الصغار محاصرين بين سندان المضاربات والغلاء ومطرقة الخصاص . وما نشهده، ونحن في انتظار الغيث، هو مشهد أصبح يتكرر كل سنة ويتعمق ما لم تكن السنة السالفة غزيرة المحاصيل . والسبب؟ السبب أشرنا إليه في أكثر من موسم، هو غياب استراتيجية ناجعة، تتفرع إلى سياسات عمومية فعالة .

لقد سجل‬ المغرب‬ تقدما‬ ملموسا‬ في‬ القطاع‬ الفلاحي‬ أساسا‬ خلال العشر‬ سنوات‬ الماضية،‬ غير‬ أن‬ إمكانيات‬ هذا‬ القطاع‬، تبقى ‬غير‬ مثمنة‬ كما‬ يجب، خصوصا في غياب الرؤية الاستراتيجية الاستباقية. فالقطاع الفلاحي، يعاني من مجموعة من المشاكل الطبيعية المزمنة (الجفاف، ندرة المياه، التعرية، …) والمشاكل التقنية (هيمنة الممارسات التقليدية، ضعف استعمال التقنيات الحديثة، …) والمشاكل التنظيمية (تكوين الموارد البشرية، عقلنة تعبئة الموارد المالية، …). ..

لذلك، نؤكد من جديد ، أن المغرب اليوم بحاجة إلى تجديد التخطيط الاستراتيجي في المجال الفلاحي أخذا بعين الاعتبار التحديات المطروحة والرهانات المستقبلية المتعلقة بالأمن الغذائي. المغرب بحاجة إلى رؤية جديدة تروم تأهيل مختلف القطاعات الفلاحية، من خلال اعتماد مقاربة مندمجة التقائية (تطوير الكفاءات، تعزيز البنيات التحتية، مسايرة المستجدات الراهنة.

المغرب اليوم، بحاجة إلى ميثاق فلاحي جديد، تتم من خلاله بلورة سياسة فلاحية طموحة، لكسب الرهانات المطروحة، من أجل تقوية الإنتاجية وتحسين المردودية .‬ ميثاق ‬فلاحي‬ وقروي‬ جديد،‬ يستجيب للمستجدات الفلاحية، ويروم تنويع‬ وتحسين‬ المردودية‬، وتوجيه‬ الفلاحة‬ المغربية‬ نحو‬ منتجات‬ ذات‬ قيمة‬ مضافة‬ عالية، واعتماد تصور تنموي مندمج للفلاحة بالرفع من مناصب الشغل في القطاع الفلاحي، والمحافظة على وتيرة منتظمة وملائمة في خلق هذه المناصب مع تحسين دخل القرويين، والرفع من الحد الأدنى للأجر الفلاحي، و تأهيل واندماج الإنتاج بهدف خلق صناعة غذائية مغربية حقيقية من خلال تأهيل القطاعات واندماج الفلاحة أفقيا مع الصناعة عموديا.

إننا،إذ نرفع الأكف تضرعا للعلي القدير بأن يسقي عباده وبهيمته، وينشر سبحانه وتعالى رحمته، ويحيي بلده الميت، فإننا نؤكد أن البادية المغربية بحاجة إلى اهتمام فعلي وحقيقي يحمي الفلاحين، وهي ضرورة وأولوية، ويضمن لهم شروط الاستقرار، ويطور المنتوجات بشكل يساهم في رفع وتيرة النمو الاقتصادي .

 

الاربعاء 03 ربيع الاول 1439 هجرية / 22 نونبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…