صدر عن مطبعة دار الأمان بالرباط  مؤلف جديد يحمل عنوان “مذكرات حياتي” للفقيه العلامة المجاهد عمر المتوكل الساحلي، المؤلف قيد حياته أخبر بهذا العمل الثقافي الفريد من نوعه في الصفحة 310 من الجزء الرابع من كتاب “المعهد الاسلامي والمدارس العتيقة بسوس” ، هذه المجموعة بأجزائها الأربعة تطلب انجازها قرابة عقد من الزمن، أشرف صاحبها معها على تمام عقده الثامن، بالرغم من هذا المعطى الذاتي ارادته الشخصية وعزيمته الفكرية لم تخمد قط جدوتها من أجل المزيد من الانتاج الثقافي المتميز كمّا و مضمونا، لكن المنية وافته –رحمة الله عليه- شهر يوليوز 2003  قبل اتمام أمنيته وتحقيق أمله بجمع وترتيب مسوداته الموزعة في عدة كراسات ورقية، ما بين الحجم الصغير و المتوسط والكبير، كانت جاهزة للطبع يعوزها فقط مراجعة الترتيب الشكلي لضبط بعض الاحالات الهامشية والأحداث الزمنية في سياقاتها التاريخية.

يقول نجله محافظ أسراره وسيرته مصطفى المتوكل :أن المرحوم أعد هذا المشروع الثقافي لكن  لا الظروف الصحية ولا المادية كانت متيسرة للعمل على اخراجه ، فبقي المولود في المخاض لعقود، ينتظر الخروج للوجود، لأجله وبعد وفاة الفقيه سي عمر –رحمة الله عليه- شكلت لجنة من اسرته تضم كل من السادة الحاج ابراهيم  النوراوي والأستاذين سالم الغزالي والحسين كوحميد ، تلامذة المرحوم قبل أن يصبحوا لاحقا أصهاره، بالإضافة الى نجله مصطفى وعمه حسن شقيق المؤلف الذي واكب معه جزءا كبيرا من مراحل حياته مند كان عمُره سبع سنوات، تاريخ وفاة والدهما ابراهيم، فبقي الطفل الصغير حسن ملازم لشقيقه الأكبر عمر، ما أهله اليوم ليكون خير مرجع بالاستدراك في حياة المؤلف، والمسند الصحيح لضبط  عدد من الأحداث والوقائع التاريخية العامة الوطنية والسياسية بالخصوص التي شملتها دفتي الكتاب.

هذا العمل تطلب من اللجنة المذكورة وقتا طويلا وجهدا مضنيا قارب السنتين بحسب تدوينة سابقة عممها الأخ مصطفى المتوكل على صفحته للتواصل الاجتماعي، مجموع المسودات بخط صاحبها اعتنى بتنسيقها واعدادها للطبع لجنة من أسرة المرحوم، بحسب تخصصهم أو اهتمامهم الأدبي أو الشرعي أو التاريخي؛ ويضيف مصطفى المتوكل نجل المؤلف قائلا: تكلف كل واحد منا بتخريج جانب من الكتاب وضبط حيثياته وسياقاته فيما يهم الابيات الشعرية والأحاديث النبوية والآيات القرآنية والأمثال العربية وغيرها من هوامش الاحالة، مع التزام التقيد بالحفاظ على الترتيب والتسلسل الزمني بدقة كما صممه المؤلف، دون اغفال الشاهد التاريخي والمتمثل في الصور التوثيقية كعنصر متم للمكتوب والتي بلغت 118 وثيقة خصص لها ملحق؛ جميع هذه الترتيبات التنسيقية وغيرها حتمتها بالأساس ضرورة اعداد اصدار ثقافي محكم التصميم، متكامل المضمون، لكون المرحوم قيد حياته أولى اهتماما أكبر لاسترجاع الذاكرة أولا، ثم ضبط تدوين الأحداث والمكان والزمن وكفى !! تفاديا لعامل السهو أوالنسيان، ليبقى المحور  المركزي صلب الكتاب هو المتعلق بالأحداث الوطنية والسياسية التي كان المرحوم عنصرا فاعلا في خلقها أو تحريكها، فيراجع فيها شقيقه ورفيق شبابه ودربه ونضاله.

بعد اكتمال المشروع شكلا عرف عدة مراجعات بالقراءة من قبل لجنة الاعداد، وتطلب وقتا اضافيا للبحث عن مقاولة ذات تجربة وخبرة في تقنيات الطبع من تسفير متقن بالخيط والغراء، واخراج فني جيد لدفتي الكتاب، وجودة الورق الداخلي وبقية العناصر الشكلية المادية والبصرية، ليستقر القرار على مطبعة بالمشرق العربي مقرها بيروت؛ ليطرح اشكال الجودة المرغوبة تستلزم سيولة مطلوبة، فكان الحل أولا التحديد القبلي لعدد نسخ الطبع وتكلفتها المادية، ثانيا اللجوء للاكتتاب بالمساهمات الشخصية في نطاق لجنة الاعداد، هكذا أطلق المشروع عينة أولية محدودة قصد تصفحها ومراجعتها قبل تأكيد صفقة الموافقة لاستنساخ العدد المطلوب كطبعة أولى عن سنة 2017.  

“مذكرات حياتي” للفقيه العلامة المجاهد عمر المتوكل الساحلي كتاب من الحجم الكبير قياس 24.5 سم على 17 سم وسمك 3.5 سم، على شكل مجلد يضم بين دفتيه المتينتين ما مجموعه  665 صفحة، موزعة على 23 فصلا، اضافة الى مدخل حمل عنوان “بين يدي المذكرات” في 7 صفحات وامضاء الأستاذ سالم الغزالي عن اللجنة بتاريخ 16ي القعدة 1437هـ 20 غشت 2016، يليه تقديم من تحرير المؤلف نفسه في 4 صفحات ونصف الصفحة، أسطرا معدودة جامعة شاملة ملخصة لما انتدب المؤلف حياته لأجله والقصد من وراءه.

اما باقي الفصول، بغض النظر عن التقسيم الذي تصوره وحدده المؤلف لتنزيل مشروع سيرته الذاتية، فيمكن اجمال فكرتها في المحاور التالية : من الفصل الأول صفحة 20 الى متم الفصل الثامن صفحة 146 أفرد المؤلف هذا الجزء من الكتاب للتعريف بأصله ونسبه وتاريخ ومكان الولادة ليس فقط بالنسبة له بمفرده بل وأشقائه ذكورا واناثا لكون والده كان مشارطا بمسجد المدشر، ضابطا موثقا لشؤونه الخاصة في زمن لم يعرف بعد نظام الحالة المدنية، ثم توسع بسرد أسماء المداشر القريبة من مكان ولادته، والظروف المعيشية العامة لذاك الزمن والتي لم تكن ترحم، أدناها شظف المعيش اليومي وأشدها وطأة على النفوس جائحات الأوبئة التي كان من مخلفاتها عدوى خطيرة ألمت به وشقيقته، وقبل ابلاله منها  توفيت والدته 1347هـ تاركة خلفها خمسة ابناء كالقطا هو اكبرهم سنا عمره 17 سنة، ما حتم عليه سلك درب المشارطة في مساجد المحيط القريب بالمنطقة سيرا على نهج والده الذي وافته المنية 1363هـ .

بين هذه السياقات الخاصة عرف الجنوب المغربي/سوس الأقصى بداية أحداث وطنية تاريخية، أبرزها منطقة جزولة التي اصبحت قاب قوسين في حكم الاحتلال الفرنسي بعد ازيد من عقدين على معاهدة فاس المذلة،  لم تكن تلك الأحداث لتمر دون ان تطال بعض شظاياها تلابيب المؤلف وهو لازال في حكم الفقيه المدرر بالشرط، يحمل على كاهله أعباء أشقاءه الأيتام، متنقلا بين مساجد المنطقة خاصة وسوس عامة، منها نواحي تارودانت المدينة التي حل بها لأول مرة نهاية دي الحجة 1361هـ/1939، بعدها بقليل أبت أقدار الرفقة التي جمعته بأحد أصدقائه بمدشر تمازط ان يستدعى ويرحل لأجل الاستنطاق من طرف الفسيان في مركز تارودانت، ويرحل بعدها لتزنيت حيث هو مطلوب ليعتقل مدة 26 يوما ، بعدها حول الى “تريتوار” ويقصد به مقر نفود الجنرال حاكم المنطقة ليقضي مدة 33 يوما اضافية، أثناءها تلقفت أذنه خبر حوادث 11 يناير 1944، وكان هذا الاعتقال – أو هما اعتقالين- اول شوكة “مصل تلقيح” التي نالها بسبب التعاطف مع الغير، يضاف اليه الوضعية الادارية لسيدي افني التي كانت تحت سيطرة الاسبان وتعتبر فرنسا الدخول اليها بمثابة التخابر أو التجسس لفائدة الغير، وقد أقدم صديق للمؤلف  على ذلك فدفع الأخير الثمن مكانه موضوع الاعتقالين أعلاه.

الفصل التاسع الى نهاية الفصل الحادي عشر، خصصه المؤلف لسرد أحداث نشاطه السياسي تحت مظلة المقاومة الوطنية المغربية وهو الجانب الذي اشتهر به المؤلف وطنيا اكثر من غيره، بالرغم من وجود جانب آخر لا يقل أهمية عن المقاومة الوطنية المسلحة لتحرير البلاد واسترجاع الكرامة المغربية، وهو الجانب التربوي التعليمي لتحرير فكر الانسان المغربي ورفع غشاوة الجهل المطبق عليه، ومحو الأمية الأبجدية والمعرفية عنه؛ لذا فالمؤلف يحرص على اختيار الكلمات بعناية والمفردات بدقة، لحصر مدلول الفهم والنعت والمنعوت في ذهن القارئ، فهو مثلا لا يورد مصطلح الاستقلال مجردا بل مقرونا بالسياسي/الاستقلال السياسي.

كان أول ابتلاء امتحان في هذه المرحلة وقصدنا الفصل التاسع وما بعده، شهرا كاملا في سجن تارودانت، نقرأ في ص151 من الكتاب:” دهليز مظلم تجوبه الفئران والحشرات، يسقط من سقفه الخشبي البق ليلا كالبرد حجما” هذه الحالة سبق ودونها من سيق الى هذا المطبق سنة1952، هو سي قدور الورطاسي الوجدي، وسجل للتاريخ هو الآخر في مذكراته بعنوان “غروب الاستعمار” : رمي بي في دهليز مظلم مليء بالأوهام والحشرات، أكثر ما كنت أخشاه أن توجد به ثعابين، أخذتني غفوة نوم نتيجة مشقة الطريق، لم توقظني من غفوتي سوى قفز الفئران فوق أرجلي، لحظتها اطمأنت حيث توجد الفئران لا توجد الثعابين”. ونفس الرواية أوردها صديقنا الباحث المتخصص نور الدين صادق في كتابه مولاي عبد الحفيظ الوثير مسار حياة مجاهد في ص33: “في عتمة ذلك الدهليز دنا من مولاي عبد الحفيظ شاب وسيم فبدأ يستفسره عن جهة قدومه وسبب اعتقاله، بعد حين قدم له رغيفا محشوا باللحم والخضر، ومن شدة الارهاق لم يقو على الأكل فوضع الرغيف عند رأسه ونام، وعندما استيقظ وجد الفئران أتت على أزيد من ثلثيه” هذا الدهليز شيده السعديون المسلمون يعتقلون فيه الغزاة المسيحيون لافتدائهم ، فانقلب الدهر ليَعتقل فيه المسيحيون المسلمون، سنة الله في كونه وخلقه، نوثق هنا هذه الأحداث والشهادات الشخصية لثلاث أهرام وطنية، ليس من باب حشو الكلام في غير موضع، بل لنذكر الجهة الوصية على معتقل القصبة ضرورة الاعتناء والحفاظ على المكان، وصونه من أي عملية بناء من شأنها تغيير معالمه الأثرية أو المساس بطبيعته المكانية وادراجه ضمن مزارات تارودانت التاريخية.

بعد هذا الاعتقال حكم على المؤلف بالإقامة الجبرية في مسقط رأسه فتسلل خفية حتى وصل اكادير، هي الفرصة التاريخية التي تعرف فيها شخص تألق نجمه في الميدان الوطني بسوس هو محمد الحبيب الفرقاني، شهادة تاريخية – النجومية- سجلها المؤلف في حق نده وخليله صفحة 156، ومن غير المستبعد أن يكون التسلل والمغامرة الخطيرة لذات الغرض ليس الا، علما أن هذه الفترة كان مجموع القطر السوسي تحت رحمة قائد عسكري فرنسي برتبة عقيد/كولونيل يسمى فرون، فظا غليظ القلب نزعت الرحمة والشفقة من قلبه، والغريب انه يتقن اللسان العربي والدارجة المغربية بطلاقة، ما سهل عليه اجراء الاستنطاقات  شخصيا للوطنيين واستبعاد المترجمين /ص153.

 30 نونبر 1949 حط المؤلف الرحال بمدينة مراكش، في الغد زار الأستاذ المختار السوسي في مدرسته بالرميلة، فتعرف به لأول مرة شخصيا، بعدها دأب على حضور بعض دروسه بجامع باب دكالة، ودروس في التاريخ والأدب في جامع ابن يوسف؛ بعد توطيد العلاقة بين المريد والفقيه المختار، فاجئه يوما بكون الخليفة السلطاني مولاي ادريس بمراكش يبحث عن فقيه سوسي لتعليم أبناءه، وأن المختار رشحه لذات المهمة، ثم تطورت العلاقة واصبح ينوب عن المختار في اعطاء بعض الدروس …

لم تكد الحركة الوطنية تتصدر الميدان السياسي حتى اكتسحت التنظيمات القاعدية في الطبقات الوسطى والضعيفة من تجار وعمال وفلاحين، فكان هذا الوعي الوطني تمهيدا للعمل الفدائي الذي عمل المؤلف جاهدا مجتهدا كمتطوع لتعميقه وسط الشلوح؛ هكذا افادنا متن الكتاب بخصوص تأسيس حركة المقاومة بمراكش، وما تلاها من القمع المسلط على طلبة جامع ابن يوسف من طرف الباشا الكلاوي سنة 1952، حيث نزح نخبة منهم الى الدار البيضاء، هي المرحلة التي  تعرف خلالها المؤلف على أقطاب المقاومة الوطنية المغربية أمثال عبد العزيز الماسي وملولاي العربي الشتوكي وسعيد بوالنعيلات/المانوزي ـ توفي رحمه الله قبل ايام ـ وعبد الرحمان الصنهاجي والحسن بن همو السكتاني/وهبي ومولاي عبد السلام الجبلي ومحمد البصري الملقب الفقيه لكونه حامل لقسط وافر من كتاب الله …

 اتفق عدد من هذه المجموعة على تأسيس خلية سرية للمقاومة بمراكش يتزعمها حمان الفطواكي، بعد تحديد الأدوار وتوزيع الألقاب الوهمية، توصلت المجموعة بأول مسدس مع خرتوشاته نهاية اكتوبر 1953، لكن المجموعة عند انطلاقها عانت كثيرا للبحث عن موارد التموين، نسوق نموذج فقط لطريقة تدبر هذا الأمر، ذلك أن احد افراد المجموعة احضر من بلدته لبيته زربيتين جديدتين وتحت وطأة الحاجة باعهما بمراكش ودفع ثمنهما لأمين الخلية.

تطلب الاعداد والتخطيط وقتا كافيا للتنقل من حين لآخر بين مراكش والدار البيضاء للتنسيق مع خلايا المقاومة الوطنية هناك كي تكون الضربة مستهدفة موجعة مدوية، اضافة  الى المسدس والرصاص، أحضر مولاي عبد السلام الجبلي بعض القنابل من الدار البيضاء، ، خُطط المكان وهو مسجد الكتبية، عُين الزمن صلاة الجمعة حدد الهدف وهو الباشا الكلاوي، كانت فرصة لن يجود الزمن بافضل منها لكون الباشا كان مرفوقا ببعض ضيوفه من الخونة… لكن لأمر كان قد قدر ارتكب خطأ في آخر لحظة، وسلم الباشا ولم تسلم الخلية التي طالتها الاعتقالات فردا تلو الآخر، كانت هذه أول العمليات الفدائية ولم تكن الأخيرة، بل تلتها 24 عملية أخرى منها المدوية التي بلغ صداها حكومة باريس ، ركزت أكثر على اقتناص الرؤوس البارزة، منها مقتل المندوب الفرنسي مونيي، واصابة المقيم العام كيوم شخصيا بجروح بليغة، ثم الجنرال دوتيفيل، ثم اغتيال الطاغية تيفان ريدس… أثناء الاعتقال عزل الفطواكي بمفرده، وفي فترة الاستراحة  صعد الى قمة شجرة بباحة السجن حتى أطل على رفاقه، غير مبال بالعواقب ولا مكترث لنتائج  تصرفه، وبدأ يصيح بأعلى صوته: عاش محمد بن يوسف !!!

الفصل الثاني عشر الى متم الفصل الحادي والعشرون، تناول فيه المؤلف سرد ظروف تأسيس جمعية علماء سوس  والغاية من تأسيسها والحماس الذي رافقها بعدما خرجت من الطابع السري الى العمل في العلن، والذي أثمر منارة علم وعرفان على غرار القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش هو المعهد الاسلامي بتارودانت؛ الجمعية كانت فكرة احمد العدوي، وأول من أسر اليه بها واستشاره في أمرها هو المؤلف عمرالساحلي، الأخير رحب بالفكرة وتقبلها بقبول حسن بالرغم من انشغالاته واهتماماته، يقول في ص298″ ما زلت اعمل في الميدان السياسي الذي كنت أعتقد انه أساسي وضروري لنجاح الجمعية التي لم تكن في الواقع الا وليدة له” ما يؤكد ما ذهب اليه الفقيه الساحلي أن خلية حمان الفطواكي عند نشأتها طرح لها مشكل الموارد المادية لتدبير نضالاتها، فاتصل المؤلف بأمين الجمعية وهو ابراهيم الحميدي الذي سلمه مبلغ 20 الف فرنك مجموع الرصيد المالي للجمعية ص237.

بعد الاستقلال رشح المختار السوسي المؤلف لمنصب القضاء اعتبارا لتكوينه، بينما المهدي بن بركة رشحه لمنصب قائد اداري باعتبار نضاله وخصاله، فيما هو اختار لنفسه مربيا معلما، لذا عين كأول مدير للمعهد الاسلامي الذي سمي لاحقا معهد محمد الخامس تكريما وتشريفا لواضع حجر الأساس، بعد مدة عرف المغرب احداث سياسية لم تكن تارودانت في معزل عنها ان لم تكن من المدن التي وضعت انشطتها الاجتماعية تحت المراقبة الادارية لدرجة التوتر بعدما ترشح للانتخابات البرلمانية مدير المعهد باسم الاتحاد الاشتراكي، كانت هذه نقطة مفصلية لتظهر الأمور على حقيقتها داخل جمعية علماء سوس بين المنافح المكافح عن مبادئ الجمعية، وبين من يقتفي أثر الظل ومجاراة الأحوال، ومن عمل على تحريض الطلبة ضد المدير أثناء اضراب 1960 بلغت درجة الجسارة أن أحدهم رماه بحجر، ورغم أن المدير توصل للفاعل لاحقا، أبت عليه همته الأبوية التربوية التعليمية ان  يكون سببا في طرده، وقد اصبح استاذا فيما بعد بفضل المعهد/ ص 351.

  هذا الشق من النضال التربوي الذي يعد وسام شرف رمزي تاريخي للمؤلف وثلة من السابقين في جمعية علماء سوس، يستحقون عليه تكريما شرفيا لازال يعتبر حق قائم الدّيْن في عنق الباقين والتابعين من أعضاء الجمعية.

 عكس الفصول السابقة التي تناولت بالسرد عدة احداث خاصة ووقائع وطنية وجمعوية، افرد المرحوم الساحلي الفصل الثاني والعشرون لسرد وقائع ادائه فريضة الحج تكرما من الحكومة التي قررت ارساله على نفقتها سنة 1959/1378هـ ، لكن مرضا ألمّ به في آخر لحظة كان سببا في تأخير الأمنية ثلاث سنوات بعدها ليحج على نفقته الخاصة؛ قبل شد الرحال عمل على توديع ثلة من أصدقائه منهم وزير التاج المختار السوسي وكاتبه محمد بن عبد الله الروداني/خرباش، فألح عليه المختار عدم نسيان تدوين الرحلة وكذلك كان، فنجد المؤلف الساحلي ابتداء من هذا الفصل والفصل الذي يليه وهو الأخير، يدوّن ويضبط الأحداث  بالسنة الهجرية قبل الميلادية والشهر واليوم والساعة والدقيقة حسب توقيت الحجاز/ المشرق ومقابله بالمغرب، ويحصر التدقيق بالليل أو النهار وحالة الجو/الطقس، وهيئة الأشخاص العاديين والمسؤولين ولسان موطنهم أو جنسيتهم، اثناء تواجده خارج أرض الوطن ببقاع الحجاز الأشرف لأداء فريضة الحج أو مرورا بباريس لحضور مؤتمر اسلامي ببلاد الشام/العراق. لعمري لم أعثر على هذا النموذج من الوصف السردي بدقة متناهية، الا في مؤلفات المستكشفين الفرنسيين/الجواسيس الذين انتدبتهم حكومتهم للتسلل للمغرب وتحرير تقارير نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

الفصل الثالث والعشرون وهو الأخير، خصصه المؤلف لسرد وقائع دعوته بمعية المقاوم الوطني ابوبكر القادري وادريس الكتاني  لحضور مؤتمر علماء المسلمين بالعراق، على هامش المؤتمر قاموا بالوقوف على عدد من المزارات  التاريخية الاسلامية والاثرية العمرانية التي تضمها بلاد الرافدين، منها قبر نبي الله يوشع ودي الكفل عليهما السلام ،والمحراب الذي استشهد فوقه الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، ومسجده بمدينة كربلاء، والنجف الأشرف مرقد الامام علي، ومشهد ابنه الحسين، وايوان كسرى امبراطور الروم، ومرقد بعض الصحابة التابعين وأئمة المسلمين الشيعة والسنيين المالكيين، ومرقد الامام ابي حنيفة النعمان الذي قام المرحوم الحسن الثاني بزخرفة قبته على نفقته بالفن المعماري المغربي سنة 1971 ، وآثار الأمويين والعباسيين من بعدهم… سرد رحلة يحسب للمؤلف باعه وتضلعه في تدقيق الوصف السردي الأدبي.

كتاب “مذكرات حياتي” للمرحوم عمر الساحلي يعتبر أضخم مؤلف في موضوعه، سيرة ذاتية شاملة بأسلوب ادبي راقي استوفى كافة العناصر الفنية الأدبية التي تؤهله ليعتمد مرجعا مقررا لدراسة المؤلفات الوطنية في التعليم المغربي، بديلا لمؤلف”حياتي” لأحمد أمين و”الأيام” لطه حسين وغيرهما.

من جهة أخرى يعتبر مؤلف “مذكرات حياتي” أحسن ما أنتج لحد الساعة في مجال السيرة الذاتية التي تناولت بالسرد صفحات المقاومة الوطنية المغربية المجيدة، ونحن هنا بصدد اعطاء قيمة شكلية وليس حكم مضمون، قراءة تعليق وليس قراءة تحقيق وتدقيق، كان أول اصدار من هذا النوع محليا سنة 1999تحت عنوان “المجاهد مولاي عبد الحفيظ الوثير مسار حياة مناضل” 89 صفحة، تأليف صديقنا الباحث نور الدين صادق، وقد عانى الأمرين رغم صلة القرابة بالمعني الذي ظل يعتبر أن ما قدمه من نشاطات في صفوف المقاومة الوطنية هو لوجه لله والوطن وليس للرياء والتمجيد، وبشق النفس اقتنع المقاوم الوثير وقدم لنا جزءا يسيرا فقط من سيرته النضالية؛ 2006 “سنوات الصمود وسط الاعصار ابرز المحطات النضالية في حياة الأستاذ عبد الله ابراهيم” تأليف الأستاذ المناضل محمد لومة 256 صفحة، 2015 مؤلف “مذكرا الفقيه الفكيكي محمد بوراس سفر في زمن المقاومة والنضال 1964-1980” 150 صفحة ، في نفس السنة 2015 “أوراق من ساحة المقاومة المغربية” للمقاوم مولاي عبد السلام الجبلي 239 صفحة، بالرغم من تشكيكه في مصداقية بعض رفقاء درب المقاومة، نعد ذلك غير ذي أثر ولا أهمية، الا بقدر ما ينقص عود الإثمد من مخزون دواة كحل الأعين.

جميع هذه الاصدارات امتحت نفس المنهاج الأدبي وقننت الجانب السردي في شق الطفولة ومرحلة النضال السياسي، بينما “مذكرات حياتي” توسع فيها المرحوم عمر الساحلي بالتطرق لجوانب لا تقل أهمية عن المقاومة الوطنية وهي النضال الفكري التربوي وأدب الرحلة اكانت خاصة ام للعمل.   

 

السبت 28 صفر 1439 هجرية / 18 نونبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…