مسابقة كأس العرش تحمل في بلادنا دلالة و رمزية خاصتين و هو ما يجعلها من أهم البطولات الوطنية على الإطلاق والتى يتنافس عليها فرق النخبة بشكل عام ، و تكون فرصة ذهبية أمام فرق الهواة لتحقيق المفاجأة و الحصول على اللقب ، إذ أن نظام المسابقة بخروج المغلوب تعتبر فرصة مهمة أمام أصحاب الفرق البسيطة والتى تعتمد على مفاجآت كل مباراة منفصلة عن الأخرى و بحسابات مختلفة تماما عن مسابقة دوري البطولة الذى يحتاج إلى عمل متواصل و دؤوب من بداية الموسم وحتى نهايته.

ويسدل الستار نهاية هذا الأسبوع على النسخة 60 من المسابقة بإجراء مبارة النهاية بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله.

لفهم دلالة و رمزية الكأس الفضية بالنسبة للمغاربة يجب الرجوع إلى أصل الفكرة التي أخرجت هذه المسابقة إلى الوجود. فقبل أن تبدأ هذه الأخيرة فى اتخاذ الشكل الحالي لها سنة 1956، اقترنت فكرة كأس العرش بتأسيس العصبة المغربية لكرة القدم في زنقة ملوية بالدار البيضاء من طرف الحركة الوطنية التي تنبهت إلى ضرورة الاهتمام بالرياضة و كرة القدم على وجه الخصوص كواجهة للتأطير الوطني و الانخراط في المعركة من أجل الإستقلال و هو ما لم تكن تسمح به العصبة الفرنسية التي أحدثها الاستعمار ابتداء من سنة 1916. مهمة التأسيس أسندت إذن إلى وجهين من الوجوه البارزة للمقاومة و هما السيد عبدالسلام بناني كرئيس للعصبة و الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي (الوزير الأول السابق وأحد الزعماء التاريخيين للفعل السياسي الوطني ببلادنا) ككاتب عام لها. هذان الوطنيان هما من أسسا مسابقة كأس العرش و هما من اخترا إجراء مباراة النهاية يوم 18 نونبر من كل موسم ، و الذي كان يصادف آنذاك ذكرى عيد العرش. المبارة النهائية كانت تجرى في المشور السعيد تحت الرئاسة الفعلية للمغفور له جلالة الملك الحسن التاني رحمه الله (ولي العهد آنذاك). الانطلاقة الرسمية كانت إذن ابتداء من موسم 47/46 بفرق الأحياء البيضاوية لتشمل فيما بعد فرقا وطنية من مختلف المدن المغربية. و اختيار الدار البيضاء كموقع لانطلاق المشروع كان مدروسا باعتبارها مدينة الطبقة العاملة التي كانت تعول عليها الحركة الوطنية كثيرا لكسب معركتها ضد المستعمر.

مع انتهاء عهد الحجر و الحماية و بزوغ فجر الاستقلال و الحرية بدأت مسابقة كأس العرش تعرف طريقها الرسمي على الشكل الحالي و ذلك انطلاقا من عام 1956 و هكذا ترأس المغفور له الملك المجاهد محمد الخامس رحمه الله أول مباراة نهائية سنة 1957 بين فريقي الوداد البيضاوي و المولودية الوجدية بالملعب الشرفي بالدار البيضاء (مركب محمد الخامس حاليا و الذي كان يسمى فيما قبل بملعب مارسيل سيردان) و التي انتهت بالتعادل الإيجابي 1ـ1. هذه النتيجة طرحت إشكالية بحكم أن القوانين المعتمدة آنذاك لا تتوفر على بند للفصل بين الفريقين. قيدوم الصحافة الرياضية الوطنية الزميل و الصديق الحسين الحياني الذي عايش الواقعة يحكي ما جرى كالآتي: “… مما تطلب حل الإشكال في اللحظة و المكان نفسيهما ، فطلب تحكيم جلالة الملك…و بعد استشارات هامسة مع ممن هم حوله: وجه الكلمة التالية لنائب الكاتب العام السيد أحمد النتيفي “ماذا تفعلون في مثل هذه الحالات؟” كان النتيفي لا يخفي مواقفه من الوداد لأنه ابن الراك فرد على الملك:”إن الفريق الذي يسجل الهدف الأول يعتبر فائزا..” فقال محمد الخامس: “اعطوا الكأس للمولودية”..”

القرار باتخاد يوم 18 نونبر كتاريخ قار لإجراء نهاية كأس العرش كان صائبا و في منحى تأكيدي لرمزية و دلالة كأس العرش لدى المغاربة. فبعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى يوم 15 نونبر 1955 شهد المغرب احتفالات منقطعة النظير طيلة الأيام الثلاثة الموالية (16 ـ 17 ـ 18 نونبر 1955) و كان اليوم الأخير (18 نونبر) ليس فقط هو أول عيد للعرش في عهد الاستقلال بل تاريخ تخليد ذكرى نضال الشهداء و الدماء التي سالت من أجل السيادة والحرية.

الرهان سيكون كبيرا و هاما للفريقين اللذين يطمحان للتتويج بعد مسار صعب للوصول إلى النهاية و هما يستحقان ذلك بما أنهما قدما مردودا محترما في بداية هذا الموسم لذلك من المنتظر أن تفرز المبارة لعشاق المستديرة طبقا كرويا شهيا مليئا بالإثارة و التشويق و يكون في مستوى تطلعات جماهير الفرقين التي ستحج لا محالة بكثرة إلى العاصمة الرباط التي ستحتضن للمرة 27 المبارة النهائية للكأس الغالية على كل المغاربة.

 

الثلاثاء 24 صفر 1439هجرية / 14 نونبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…