لا يمكن لأى جيوسياسى تقييم دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دون التوقف عند النزعة القومية الفارسية التى تسيطر على السلوك الإيراني لإعادة صياغة وجودها فى مناطق نفوذها التاريخية فى دول الخليج واليمن والدول المطلة على بحر قزوين من جهة، ومصر وشمال إفريقيا من جهة أخرى.
تلك النزعة التى توجه سياسات إيران الخارجية والتى روجت لطبيعة الصراع فى المنطقة على أنه صراع دينى ما بين طائفة الشيعة وأهل السنة. وفى الحقيقة هو صراع لا يتعدى كونه حلقة فى منظومة لعبة الحروب الدينية فى المشرق العربي باستخدام نفس الأدوات، والعناوين الطائفية للعام 79.
تنامى نفوذ طهران وحلفائها فى المنطقة عبر المشروع التوسعى الإيرانى أدى إلى محاصرة الحدود السعودية بالمد الشيعى إلى حد كبير. الأمر الذى من شأنه التأثير على الأغلبية الشيعية فى شرق المملكة، والتى تمثل «15٪» من سكان السعودية وهي مناطق غنية بالنفط الذى يرتكز عليه اقتصاد المملكة.
فبعد أن دارت الأيام دورتها عاد أحفاد الفرس من جديد في ثوب الجمهورية الإسلامية الإرانية تخترق بعض الدول العربية عبر وكلائها تبني التحالفات وتقدم الدعم لجماعات التمرد والثوار، وأيضا جماعات إرهابية تمكنت من الضغط على حكوماتها وتمرير الأجندة الإيرانية المعادية. وبصورة أخرى أصبح الصراع الإقليمى فى جزء منه محاولات إيرانية تستهدف إحياء ما يشبه الخلافة الفاطمية القديمة؛ فالخريطة شبه متطابقة بين الماضى والحاضر. ذلك أن الدولة البويهية فى العراق التى شكلت جزءا من الخلافة الفاطمية واستمرت ما يزيد على قرن قبل سقوطها عام 1045 على يد السلاجقة الأتراك. عاد الأحفاد للسيطرة عليها مجددًا بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ومع الانسحاب العسكرى الأمريكى عام 2011، سقطت بغداد فى قبضة الخامنئى.
أما الدولة الفاطمية فى مصر التى سقطت على يد صلاح الدين الأيوبى عام 1174 ، فبعد قرون مضت على حكم الإمامة، يعلن الخامنئى أن أحداث 25 يناير فى ميدان التحرير هى امتداد للثورة الإيرانية. وبعد عامين يستقبل الرئيس المصرى الإخوانى الأسبق «محمد مرسى» نظيره الإيرانى «أحمدى نجاد» فى القاهرة، وقد رفع علامة النصر بكلتا يديه من داخل الأزهر الشريف، التى حكموا منها الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية، ولكن المصريين أجهضوا المخطط فى ثورة الثلاثين من يونيو. ومن مصر إلى بلاد الشام والتى أسقطت بقاياهم من الفاطميين على يد «الظاهر بيبرس» عام 1297، تمكنت إيران من بسط نفوذها فى لبنان وباتت سوريا هى مسرح الأحداث الكامنة للفوز بالكعكة الكبيرة.
وتمكنت من ضرب المملكة السعودية الوريث الشرعى للحجاز فى خاصرتها الجنوبية عبر اليمن لتصبح على بعد خطوة من شبه الجزيرة العربية.
إذن التحركات الإيرانية فى المنطقة أصبحت تمثل تهديدا مباشرا على دول الخليج بصفة خاصة. ولا يزال الوطن العربى يعيش فى أحداث العام 1979 والذى يُعد تجسيدا حقيقيا لبانوراما الصراع الدائرة رحاه الآن. ذلك أن العام 79 ، قدَّم أهم الحركات التى لا تزال تشكل المنطقة حتى اليوم. أى أن الشرق الأوسط عاش طيلة السنوات الـ 38 الماضية فى سنة 1979، الذى شهد فى بدايته احتلال المتطرفين الإسلاميين المسجد الحرام فى مكة المكرمة، وتحديهم لأسرة آل سعود الحاكمة، التى استجابت بعقد اتفاق جديد مع المحافظين الدينيين للبقاء فى السلطة، فى مقابل منحهم صلاحية تحديد المعايير الاجتماعية والتعليم الدينى داخل المملكة العربية السعودية، مع حصول المحافظين على موارد هائلة لنشر الفكر الوهابى الأصولى المتشدد والمناهض للشيعة والتعددية. المنطقة الآن أمام أمير سعودى قوى يتحدث بكل جرأة عن أخطاء سنة 1979 ويتعهد بإصلاح ما أفسده الدهر. فهل سيمنحه القدر هذه الفرصة؟.