رسم وزير الداخلية في الأسبوع الماضي صورة الجريمة بالمغرب. وقدم أمام لجنة برلمانية بمناسبة مناقشة ميزانية وزارته خرائط ظواهرها، خاصة في النصف الأول من السنة الجارية. وأبرز ما يمكن استنتاجه من عرض الوزير، ومن لغة الأرقام، أن الجريمة ببلادنا، أضحت مقلقة، بسبب انتشارها، وثانيا أن هناك جهودا مضاعفة تبذلها المصالح الأمنية المختصة لملاحقة المجرمين من جهة، ومن جهة ثانية للتدخلات الاستباقية التي تحول دون اقتراف الجرم قبل وقوعه.
قال وزير الداخلية إن هناك شعورا أقل بالأمن لدى المواطن لعدة أسباب، من بينها دأب وسائل الإعلام على نشر أخبار وصور الجرائم أكثر من أي وقت مضى، وأحيانا بتهويل وتضخيم ، كما أن للإشاعات دورا في هذا الشعور، حيث تسري أخبار جرائم وهمية لاوجود لها في الواقع.
ويتضح من خلال الوثائق، التي وضعتها وزارة الداخلية بين أيدي النواب أن السبعة أشهر من سنة 2017 شهدت مايقارب 444 ألف جريمة ومخالفة، وأن مايناهز نصفها، يتعلق بالمس بالأشخاص والممتلكات …وأن 40 بالمئة من هذه الجرائم (175 ألف قضية )،يؤثر سلبا على الشعور بالأمن لدى المواطنين. ومن بين أرقام الوزارة أن المصالح المختصة، تمكنت من إجهاض 50 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية، وهو مايؤشر على تنامي ظاهرة الاتجار في البشر، التي تتناسل شبكاتها، ويتكاثر محترفوها. وقد تم تفكيك أكثر من 70 شبكة خلال السبعة أشهر من السنة الجارية ،كما تم إلى حدود الشهر الماضي، تفكيك عشر خلايا إرهابية.
إن الملاحظ في الآونة الأخيرة، أن وزارة الداخلية، والمصالح الأمنية بالخصوص، تعتمد نهج التواصل مع الرأي العام، بشأن الجرائم التي تعرفها هاته المنطقة أو تلك. ومن شأن ذلك، أن يساهم في وضع حد للإشاعات، التي تتغذى من الغموض واللبس، كما أن هناك مبادرات مهمة، تم الشروع في مأسستها، ومن بينها إقدام المديرية العامة للأمن الوطني على تنظيم «الأبواب المفتوحة» قبل شهرين، قصد التعريف بأوجه عمل العديد من مكونات هذه المؤسسة ومستوياتها المهنية والعلمية والتقنية والإدارية ..
كما أن اعتماد مخطط عمل مندمج في مجال مكافحة الجريمة، يعد في حد ذاته، خطوة أمنية لمواجهة تحديات كبرى، تتطور صورها محليا وإقليميا وعالميا، خاصة قضايا الاتجار في المخدرات، والأقراص المهلوسة، ومكافحة حيازة السلاح الأبيض بدون سند مشروع، واستعماله في المس بالأشخاص والممتلكات، وتفكيك الشبكات الإجرامية التي تنشط في مختلف صور الجريمة، والوقاية من الجرائم العنيفة التي تمس بالإحساس بالأمن، والجريمة المنظمة العابرة للقارات.
إن المغرب الذي يحتل الرتبة الـ43 عالميا، والسادسة عربيا، في مجال انتشار الجريمة، مدعو أكثر من أي وقت مضى، لتعزيز جهود مصالحه المختصة، حماية للأرواح، والممتلكات، ولترسيخ أمن المواطنين. ولن يتأتى ذلك، دون شك، إلا بتوفير الإمكانيات الضرورية المادية والمعنوية لهذه المصالح ولعنصرها البشري.