اعلن جلالة الملك في خطابه امام البرلمان في دورة اكتوبر المنصرم ان المغرب سيعرف زلزالا سياسيا ، و لم تمض على خطاب جلالته بضعة اسابيع حتى شهد المغرب قرارات ملكي لا مثيل لها طيلة المدة التي قضاها في الحكم لاثارة انتباه المسؤولين الى ضرورة تفعيل مقتضيات الفصل 2 من دستور 2011 الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة . و في هذا الاطار قام بإقالة عدد من الوزراء و اعفاء بعض الولاة و العمال و رؤساء الجهات من المهام المسندة اليهم و اللائحة على ما اعتقد ما زالت مفتوحة لتشمل بقية المسؤولين في قطاعات حساسة بعد ثبوت قصورهم في اداء المسؤوليات المنوط بهم شانهم في ذلك كشأن المعلن عن اعفائهم او اقالتهم .
و قبل خطابه امام البرلمان سبق له ان وجه في خطاب العرش لهذه السنة في انتقاد المسؤولين في القطاع العام و كذلك الموظفين لإشعارهم بعدم القيام بواجبهم المهني و يتضمن نفس الخطاب اشارة قوية للأحزاب السياسية للقيام بدورها التأطيري للمواطنين لإنتاج النخب السياسية الكفيلة بتحمل المسؤوليات و ليكونوا في مستواها بعدما يتولونها خدمة للوطن و المواطن .

و يبدو ان هذه الاجراءات جاءت في وقتها المناسب و هي استمرار للإجراءات التقويمية في مجال حقوق الانسان و ترسيخ دولة الحق و القانون و تأسيس المفهوم الجديد للسلطة مبني على علاقة جديدة بينها و بين المواطن في اطار الديمقراطية السياسية لتجاوز الاختلالات و السلبيات التي تسربت الى هذه العلاقات و ادت الى تنامي ظاهرة الاحتجاجات الشعبية و اصبح معه الوضع مرشح للاحتقان في كل وقت و كل مكان ، و لا يزيد التعامل معها بالقمع و التهديد و المحاكمات الصورية إلا استفحالا و من تم يجب نهج الحوار كأسلوب جديد لحل المشاكل بمشاركة الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين ليساهم الجميع في انطلاقة مبنية على احترام الحقوق و الالتزام بالواجبات و من جهة اخرى اعطاء الدفعة الواجبة لنمو الاقتصاد الوطني بإشراك المواطنين في تنمية مستديمة مبنية على التكافل و التضامن .

و كان لزاما على المغرب ان يكون قويا اقتصاديا و سياسيا و ديمقراطيا و حقوقيا لمسايرة تطورات العصر و ما يعرفه من تحولات في مختلف المجالات خاصة و ان المغرب يتغير و يتطور لذلك ينبغي تضافر الجهود للقضاء على الاساليب التي تعوق مسلسل الاصلاح و التغيير و لا يتأتى ذلك الا بمحاربة الفساد بمختلف تمظهراته و اشكاله في جميع مؤسسات الدولة و تغيير العقليات لدى اغلب المسؤولين الذين ما زالوا في مواقع المسؤوليات في مختلف المستويات ، و هؤلاء هم الذين يعرقلون مسيرة التطور و التأهيل ، و يفصدون الاستفتاءات الشعبية و يوظفونها باستعمال المال و الوعود الكاذبة و راكموا ثروة لا تعد و لا تحصى يوظفونها لمصالحهم الشخصية ، و لهذا فان هذا الزلزال الذي اشار اليه جلالته هو موعد مع التاريخ الذي كان و لا يزال المغرب يتخلف عنه و يشكل ثورة من اجل الاصلاح و الواجب الوطني يجب الانخراط في مسلسل الاصلاح و التغيير لإنجاح الاهداف المتوخاة منه و السعي لتحقيق امنية جماعة تتمحور حول صيرورة الحياة اليومية و المعاش الواقعي لتلك الجماعة و التي يضاعف بها التفاف الرعية التلقائي المصحوب بروح الامتنان حول قائدها و صاحب المبادرة في تغيير احوالها نحو الوضع الذي كانت تصبوا اليه .

و في هذا الاطار قام جلالته بزيارات ميدانية لمختلف جهات المملكة و بالخصوص المناطق التي تعاني من التهميش اغلب ساكناتها هم من الفقراء المحتاجين و المظلومين ، و اطلع على احوال الناس و الخصاص في البنية التحتية و الصحة و التعليم و بصفة خاصة وضع كل منطقة و المعطيات التنموية الخاصة بها ، يصافح الناس بيده و يتلقى منهم رسائل حول حاجياتهم و تظلماتهم ، اما الذين يرفعون شعار تنمية العالم القروي ، فكان هدفهم استدراج المواطنين للحصول على اصواتهم لثناء الانتخابات . اما المطلوب بالنسبة للعالم القروي هو تطوير مناعة سكانه من التقلبات المناخية و اتاحة الفرصة لتنويع انشطتها و تمكينها من الاستفادة من الخدمات الاساسية و دعم المجهودات الرامية الى توطين التنمية المدمجة حسب الخصوصيات الجهوية .

اما بالنسبة للحكومة و هي الجهة الاولى المعنية بالزلزال فإنها عاجزة لبلورة الاختيارات و الاستراتيجيات على الخصوص عبر مخططات استراتيجية في اطار عام لتطوير فعال و الاخد بمستلزمات الشفافية و على كل حال فان الزلزال السياسي فهو موعد لا يجب التخلف عنه كما كان الامر في السابق و يتطلب الامر مواجهة انتظارات الشعب المغربي و الحفاظ على المكاسب المحققة و تلبية الحاجيات الضرورية للمواطنين و يتعلق الامر بايجاد فرص الشغل خصوصا لخريجي الجامعات و الكليات و الصحة و التعليم و اولها اقامة العدل الذي يشكل حجر الزاوية في صيانة الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية .

اما بالنسبة لقضية الصحراء التي وقع في شأنها اجماع وطني حول مغربيتها غير قابلة للتجزئة او المساومة ، فإنها تشكل القضية الوطنية المركزية في الملف المتعلق بها لا زالا شائكا لم يعرف سبيلا الى الحل السياسي النهائي المتوافق عليه و هو الحل الذي استقر عليه مجلس الامن ، بسبب تصلب مواقف حكام الجزائر المناؤئ للوحدة الترابية المغربية و الحال انه ما فتئ يتقدم بمبادرات لإيجاد الحل النهائي في اطار القرار الاممي و لم يستحضر حكام الجزائر الشقيق الدعم الذي يقدمه له المغرب من اجل استقلاله سنة 1962 من جهة و من جهة اخرى فلم يتدارك الاخوة الجزائريين ان ملف الصحراء قد عرقل احياء اتحاد المغاربي الذي يشكل تكتلا اساسيا في تقوية بلدانه و يخدم مصلحة شعوب المنطقة . و في هذا الصدد فقد سجل التاريخ موقف الاتحاد الاشتراكي حول الاستفتاء في الصحراء المغربية سنة 1981 الذي اقترحه المرحوم الحسن الثاني في تشرين الثاني ، و لا زلت اتذكر تدخل بوعبيد اثناء المحاكمة بقوله ” درب السجن احب من ان التزم الصمت على قضية تهم وطني ” و بعد مرور ثلاث سنوات اعترف الحسن الثاني بأنه اخطأ في اقتراح الاستفتاء . و لم يكتفي الاتحاد بهذا الموقف بال بادر الى اقامة الاتحاد العربي الافريقي مع ليبيا و سحبها للدعم الذي تقدمه لجبهة البوليساريو .

و لهذا يتعين على المغاربة المساهمة كل من موقعه على الحفاظ على الاستقرار الذي يتمتع بها المغاربة خلافا لما يجري في بلدان اخرى في المشرق العربي ، و توجب عليهم طاعة ولي الامر في المعروف لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مصداقا لقوله تعالى ” اطيعوا الله و اولو الامر منكم ” سورة النساء .

فالملك حسب الفصل 19 من الدستور امير المؤمنين ، هو الذي يساهم بالدرجة الاولى في تحقيق الامن و الاستقرار و النمو الاقتصادي و الاجتماعي للأمة و يخدر من الفتن التي تنشأ عن خلو المجتمع من امام يفرض على السياسي سلطاته و يمنع المفسدين من اعمال الشغب و النهب و اراقة الدماء و تعمل على اقامة الدين الذي تذهب رحمته بسبب عدم وجود سلطان يدود عن الملة و يلزم الامة بأحكام الشريعة و قد علل ابن تيمية لضرورة الامامة لمصلحة الخلق و في هذا يقول في كتابه ” السياسة الشرعية ” يجب ان يعرف ان ولاية امر الناس من اعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها ، فان بني ادم لا تتم مصلحتهم الاب الاجماع لحاجة بعضهم لبعض كما جاء ايضا عن ابي بكر ابن الحسين الماوردي في كتابه ‘ السياسة او الاشارة في تدبير الامارة ” العدل يريد السلطان في علوه و ينصره على عدوه و العدل انصار الرجال ، و الواجب يقتضي ان تكون مصلحة البلاد فوق كل اعتبار و العمل على استرجاع الثقة و المصداقية في المؤسسات الدستورية لدى المواطنين ، لان من شأن هذه الثقة ان تحفزهم على الانخراط في العمل السياسي و التراجع عن مقاطعة الاقتراعات التي تجري في شأنه لإضافة الطابع الشرعي للمؤسسات اشار اليها في ظل الامن و الاستقرار كضرورية شرعية لحياة الانسان .

وارزازات : الثلاثاء 24 صفر 1439 هجرية / 14 نونبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…