الدين غول الغيلان والأغوال . أنيابه مفترسة ، قاطعة ، كاسرة لا تبقي ولا تذر ولا ترحم في مضغ ، ودق عظام المدينين مهما بلغت في الهزال والهشاشة . هو هم بالليل ومذلة بالنهار. هو داهية الدواهي ، وقاصمة القواصم ، ولعنة اللعنات سواء وقع على الأفراد أو على الجماعات والدول . فالديون المتراكمة على الرقبة تسترقها ، وتحد من حريتها ، وتشل حركتها ، وتشوه صورتها ، وتهدد وجودها ، وتضعف قوتها ، وتفقدها القدرة على التدبير العقلاني لمواردها .
فكم من دولة استسلمت للاستعمار بسبب تراكم الديون عليها وعجزها عن السداد ، وكم من أسرة دمرت ، وكم من شخص سجن ، أو قتل ، أو افتقر ، أو انتحر ، أو تشرد ، أو بيعت أملاكه أو حجزت أو رهنت بسبب الديون !
إن كل الآثار السلبية الخطيرة المترتبة على الديون ترجع في مجملها إلى العبث في الاستدانة ، والتهور في الاقتراض ، والإدمان على السلف كنوع من المخدرات ، يعطي في البداية بعض النشوة ، والزهو ، والمتعة ثم يزول غبار الوهم ليظهر الغول في صورته البشعة .
كل الدولل المتخلفة في إفريقيا ، وآسيا ، وأمريكا الاتينية تعاني من أزمة الديون الخارجية ما كبح فيها عجلات التقدم والنمو . فبزيادة حجم الديون ترتفع أسعار الفاءدة المترتبة عليها حتى يصير الدين الأصلي أقل من الفواءد المترتبة علي ما يجعل الغارمين عاجزين عن السداد.
إن ضغط الحياة العصرية ، وارتفاع الأسعار ، وضعف الموارد ، وكثرة الحاجيات ، وانعدام القناعة ، وانتشار الأمراض ، والرغبة في الرفاهية كلهاعوامل تدفع إلى الاستدانة ، لكن ينبغي التعامل معها بحذر وعقلانية ..
ولعل أعظم خطإ يمكن أن يقع فيه المقترض هو استخدام المال المقترض في زيادة استهلاكه الشخصي ، الترفيهي بدل استخدامه في مشاريع تنموية حقيقية تدر عليه أرباحا تمكنه من سداد ما عليه.
إن تسهيل الاقتراض يشجع على الاستهلاك الترفيهي ويضعف حوافز الادخار في المجتمع ، ويخلق طبقات اجتماعية مدمنة على السلف . فلابد إذن من التدبير العقلاني للموارد ، والتحديد الصارم للحاجيات ، والتصدي لكل الدعواات الاشهارية ، والعمل على تحقيق الاكتفاء بما يملك الفرد وكفى .