أعترف:
أقصى ما يصل إليه مخيالي من درجات العنف المدرسي، كما عشته وألفته ذهنيتي، هو أن يعتدي تلميذ على تلميذ..
كفى..
ولا شيء من بعد..
وعندما يتم ذلك، عادة ما يغيب المعتدي أياما معدودات خوفا من العقاب
أو يكون عليه أن ينال جزاء والده، إذا هو فسر سبب تغيبه عن القسم قبل عقاب المدرسة..
و لهذا أعترف :
عندما يحدث ما حدث في ورزازات نشعر كما لو أننا آلات كاتبة أمام كمبيوتر معقد…
أو أننا محراث خشبي من زمن الماضي أمام حقل واسع من الزراعات الجديدة!
لا يسعفنا أعلى الخيال في تصور هذا الأسفل الذي يمكن أن نقع فيه..
نحن جيل نحتمي بالحنين كي لا نصدم كثيرا في الحالة الواقعية..
ما من شك أن القانون سيأخذ مجراه
وما من شك أن التضامن سيأخذ أكبر مستوى ممكن فيه: مهنيا ونقابيا ومدرسيا..
وما من شك أن الجميع، وبلا شك، الوالدين لن يدافعا، أمام حشد التأثر الجماعي، عن سلوك أرعن بكل المواصفات..
غير أن السؤال الأعمق يبقى:كيف يقضي ولد كل هذه السنوات في المدرسة ولا تمكنه من سلم قيم وميزان أخلاقي يفصله ما بين البلطجية وبين التمدرس من خلاف؟
كيف يعبر الابتدائي ثم الإعدادي والتأهيلي ولا يجد لديه منظومة قيم تجعله يحترم إن لم يَهَبِ المدرس، ولا يفصل بين نفسه وبين المنحرفين؟..
والسؤال الذي لن نفلت منه أيضا، وهو أعمق من العمق: هذا الذي لم تربه المدرسة هل يمكن أن يربيه السجن؟
نحن الذين آمنا طويلا بأن فتح مدرسة يساوي إغلاق سجن لم نعد متأكدين من هذه المعادلة، فانمحت الحدود والخطوط الفاصلة بينهما، عندما تدنت.
هل المدرسة نزلت إلى السجن أو جاورته أم أن السجن صار مدرسة؟؟؟
نحتار لأننا نتألم
ونحتار لأننا نتابع الفشل المترامي الأطراف للمدرسة الوطنية
عمومية وخصوصية معا
ولا نحير جوابا..
التعامل «المحايد »للتلاميذ يثير الخوف أكثر:هناك تواطؤ ما، سببه المجايلة أو المساندة
أو الانتماء إلى العوالم السفلى من التربية بدون وازع، مهما كان أخلاقيا
أو دينيا
أو مهنيا
أو تربويا..
التصوير، الذي كشف، في أحسن ما قدمه لنا من جوانب، صورة ما وقع، يعني التسجيلية المقرفة لهذا التدني، نزعة توثيقية، تجد في التطور الحالي للوسائل الجديدة – سمارتفون وما شاكلها- طريقة أخرى للتأريخ لهذا المنحى، وتأجيج النزعة الباردة والبرودة الشاملة إزاء ما يقع:
رأينا ذلك في حالات الفيضانات وتسجيل الغرق
ورأيناه في الجرائم وتسجيل الذبح من الوريد إلى الوريد..
وهذا أمر يبدو أنه يفوق المدرسة
والعمومية قبل الخاصة..
هناك دوما سؤال ما معلق بين الواقع والتفكير، سؤال يتعلق بالذات، بكيفية إعادة تعلم قواعد المجتمع من جديد، المجتمع السليم، الذي لم يفقد سلم قيمه ولا نقط ارتكازه الأخلاقي ..
المدرسة هي الكلمات: كيف نصل إلى تلقين التلاميذ والشباب عموما، التعبير بها عن رأيهم بدون اللجوء إلى الاشتباك باليدين وكل أشكال العنف الجسدي؟
كيف نحرر التلميذ من عنفه بالتعليم، ونحرره ربما من نموذج العنف الذي يقدمه الوسط أو الشارع أو الفضاء البصري، …ما يحيط بنا خراب تام، على شاكلة ذلك الفراغ الذي نلمسه ونراه في الفصل تماما، نحن نرى الفراغ بأم أعيننا، إذ لا شيء يدل أن المكان للعلم، باستثناء سبورة تبدو وكأنها لوضع الديكور لا غير..
إننا أمام سؤال رهيب يستوجب اعترافا لا يقل رهبة : الانهيار شامل تماما …
وما يطفو على السطح هو طفح جلدي مهما كانت نتانته يبقى طفحا لا الفيروس المسبب له…
ليس إلا!