لا يمكن لفرحتي بفوز وداد الأمة بلقب عصبة الأبطال الإفريقية ان تكتمل دون استحضار اسم الراحل عبد الرزاق مكوار. فهذا الأخير كان واحدا من العلامات المضيئة و البارزة فى تاريخ نادي الوداد البيضاوي و واحدا من رموز التسيير الكروي ببلادنا منذ التحاقه  بالقلعة الحمراء لاعبا لكرة السلة رفقة المسرحي الشهير الطيب الصديقي والإخوة الصقلي و غيرهم و مسيرا و رئيسا بفرع كرة القدم و المكتب المديري و حتى يوم وفاته فى 6 يونيو من عام 2009. 
مخطئ من يعتقد أن المرحوم عبد الرزاق مكوار كان مجرد رئيس لفريق عريق من حجم وداد الأمة ، فعلى الرغم من أهمية المنصب الذي تولاه لأكثر من 20 سنة (1972 ـ 1993) ، كما سبق للصديق و الزميل الحسين الحياني أن وصفه : ”  قيادة ناد كالوداد، لا بد لمن يتجرأ أن يتحملها ، أن تتوفر فيه شروط قيادات الأمم والتنظيمات والمنظمات الكبرى، لأن النادي الذي يجر وراءه مليون مناصر، لا تجرها الأحزاب والنقابات، ليس قشة بعير يمكن إزاحتها لإراحة البعير، ولكنها القيادة مهمة دقيقة ومعقدة لا ينجح فيها إلا الرواد الكبار، من أمثال الفقيد الودادي عبد الرزاق مكوار ” ، إلا أن هذا الرجل سيتذكره التاريخ بوصفه إحدى المراجع التسييرية في المجال الكروي ببلادنا. كان الرجل ذو نظرة ثاقبة سمحت له بممارسة التسيير في زمن متخلف عن زمن الأفكار التي كان ينتجها و يؤمن بها و التي جعلته يلامس ما يجري في بعض الدول المتقدمة كرويا لأنه كان مؤمنا أن نظامنا الكروي ، رغم جميع المعيقات ، به هامش يسمح له بالإنتاج و مفروض عليه التطور و قد أعطى المثال على أن ذلك ليس بالمستحيل من خلال ما حققته الوداد في عهده من إنجازات و على جميع المستويات. و هكذا عرفت فترة رئاسته فوز الفريق الأحمر و الأبيض بسبعة ألقاب محلية للبطولة الوطنية لكرة القدم سنوات 1976 و 1977 و 1978 و 1986 و 1990 و 1991 و 1993 و أربعة ألقاب لكأس العرش سنوات 1978 و 1979 و 1981 و 1989 بجانب كأس محمد الخامس الدولية عام 1979 و عصبة الأبطال الإفريقية عام 1992 و الكأس الأفرو ـ أسيوية عام 1993. أسس مدرسته التدبيرية على الفكر الرياضي السليم قبل كل شئ  ثم على ضرورة توفير الإمكانيات المادية من خلال تسويق منتوج فريقه لذلك يمكن اعتباره  الفاتح الحقيقي في مجال الاستشهار والاحتضان الرياضيين. كانت له شجاعة طرح الأسئلة الحقيقية المتعلقة بكرتنا و للأسف و رغم مرور كل هذه السنوات ما زلنا نراوح مكاننا بصياغة نفس الاسئلة.  راكم عبد الرزاق مكوار المزداد يوم 28 نونبر 1937 مجموعة من التجارب الغنية والتي كانت أولها تجربته كطالب مجتهد ممارس لرياضة نخبوية جامعية  ككرة السلة في إطار ناضج كذلك الذي كانت توفره آنذاك فرق المعمرين الفرنسيين كاليوسم والراك و الأولمبيك المغربي ثم تجربته في السلك الدبلوماسي كسفير للمغرب في لاهاي بهولندا خلال فترة النزاع المغربي الإسباني حول الصحراء المغربية بين مارس 1975 و أكتوبر 1976 بالإضافة إلى تجربته كمدير عام لمكتب التسويق والتصدير (وهي المؤسسة الحكومية التي كانت تهتم بالعلاقات التجارية مع الخارج) فضلا عن العديد من المناصب القيادية في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.  هذه المراكمة سمحت له بإيصال فريقه إلى أعلى درجات العطاء وطنيا و قاريا و جعلته سباقا في كل ما من شأنه أن يدفع بالكرة الوطنية إلى الأمام فكان أول من بادر لمحاولة إخراج الكرة من زمن الهواية خلال الوقت الثالث الى زمن الإنتاج لكي تساهم في الاقتصاد و تلعب دورها المجتمعي لكن للأسف لم تتوفر له إمكانية رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم و بالتالي السلطة الكافية لتطبيق أفكاره وبرامجه التي كان يسر بها للمقربين منه. و كان كذلك صاحب فكرة ترشيح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم خلال أواسط ثمانينات القرن الماضي لأنه بحكم المناصب التي تقلدها لاحظ أن دولا من نفس المستوى الاقتصادي كالمكسيك و إسبانيا استطاعت النجاح في ذلك و هناك من استبقل الفكرة من مسؤولي تلك الفترة بنوع من الاستخفاف بل هناك من اعتبر بأن الرجل دخل مرحلة التخريف.  لكن قربه من محمد المديوري رئيس المكتب المديري للكوكب المراكشي آنذاك جعله يوصل الفكرة للمغفور له الملك الراحل الحسن الثاني الذي دعا لاحقا الوزير الوصي على القطاع لتقديم طلب رسمي. و بمبادرة منه أيضا احتضن المغرب أول “موندياليتو” للصغار بمركب محمد بنجلون، وكان حينها يعتبر ذلك مقدمة لتنظيم المونديال الحقيقي. كان عبد الرزاق مكوار يؤمن بعولمة الكرة قبل تداول هذا المفهوم على المستويين الاقتصادي و السياسي فكان بذلك حريصا على انفتاح الكرة الوطنية على أكبر الحضارات الكروية وإمتاع الجماهير المغربية بأداء نجوم الكرة العالمية على أرضية مركب محمد الخامس ، و هكذا خاضت الوداد في عهده مباريات ودية أو في إطار كأس محمد الخامس الدولية (ثلاث مشاركات للوداد  1976ـ1977ـ1979 في عهد الرئيس مكوار و فوز بالكأس سنة 1979) من العيار الثقيل أمام عمالقة الكرة الأوربية كأجاكس و ليفربول و باييرن ميونيخ  و سانت إيتيان و باريس سان جيرمان و أجاكس و سيون و زوريخ و برشلونة.  قصة استقطاب هذا الأخير بنجمه الهولندي كروييف كانت خلال فترة إشرافه على مكتب التسويق والتصدير و بالضبط سنة 1974 عندما تبين له خلال مفاوضاته مع الجانب الإسباني حول الصادرات الفلاحية المغربية أن أحد مخاطبيه من أصحاب القرار داخل الفريق الكطلاني و قد عززت الوداد صفوفها خلال تلك المقابلة بالنجمين فرس وبيتشو. خلال الفترة الذهبية للقلعة الحمراء سيجعل عبد الرزاق مكوار من هذه الأخيرة ، بالإضافة إلى كل ما سبق ، أول نادي مغربي يتوفر على مقر قائم الذات بالوازيس عندما حول ملعب بنجلون إلى مركب رياضي.  آخر ما يمكن إضافته و قد يستغرب له البعض ، هو علاقة رئيس الوداد السابق بالغريم الأزلي الرجاء حيث يتذكر عبد الواحد معاش  الرئيس السابق لهذا الأخير : « إن أقلية فقط هي التي تعرف بأن مكوار أسدى خدمات كبيرة للرجاء البيضاوي ، وأنه لا يتردد في تلبية العديد من مطالب الرجاويين ».
أنهى عبد الرزاق مكوار علاقته المباشرة بالوداد و بكرة القدم بصفة عامة من ملعب البشير بالمحمدية عندما تعرض للسب والضرب بالحجارة من طرف بعض “الحياحة” المدفوعين و الذين لا علاقة لهم بجمهور الوداد الحقيقي الذي لم ينس المجد الذي صنعه الرجل للهرم الودادي على مدار أكثر من 20 سنة فكان قرار خروجه من دائرة الفعل ، ليحتل مقعد المتابع من بعيد خصوصا أن ما حصل أثر بشكل كبير على صحته و نفسيته و جعل الأطباء يفرضون على عائلته الصغيرة المكونة من زوجته الألمانية و إبنيه كريم ورضا إبعاده نهائيا عن المجال الكروي. ابنه رضا حاول السير في نفس الطريق بانضمامه كمنخرط إلى برلمان الوداد رغم أن والده كان من أكبر المعارضين ، و قد كان محقا في ذلك،  قيد حياته لقانون المنخرط ، إيمانا منه و هو العالم بخبايا الأمور بأن لا فائدة ترجى من تلك الوصفة التي لم تأت إلا بالغرباء لتسيير كرتنا و من هنا بدأت حكاية أزمة الكرة ببلادنا.
أكثر من 08 سنوات مرت على رحيل عبد الرزاق مكوار ، وصورته لا تفارق مدرجات ” فريميجة ” في أي مباراة للفريق الأحمر. سيبقى إسمه خالدا في تاريخنا الكروي كرمز من رموز التسيير و علم من أعلام وداد الأمة. عبد الرزاق مكوار كان مختلفا ، و كان رئيسا حقيقيا. كان حب الوداد و ليس شئ آخر هو من جعله رئيسا بمثل تلك المواصفات. حب جعله طيلة فترة رئاسته لا يريد أى شىء آخر. كان يرى رئاسة وداد الأمة وحدها شرفا يستحق أن يكتفى به صاحبه. رحمه الله ، غاب الرجل و ستبقى سيرته حاضرة. غاب الجسد و بقيت المبادئ التي رسخها داخل البيت الودادي و معاني الاحترام و الالتزام والكبرياء و التي ساهمت بشكل أو بآخر في التتويج الأفريقي الأخير.

الثلاثاء 17 صفر 1439 هجرية / 07 نونبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…