الاستراتيجية الأمريكية الخاصة ببلقنة الدول العربية عبر ربيع براغ جديد انطلق كأحجار الدومينو من تونس فى أكتوبر من سنة2010، نهاية بسوريا مارس 2011- كانت جزءًا من استراتيجية أكبر تعمل على تفكيك الجيوش النظامية، تتلوها عمليات إحلال وتبديل بجيوش القاعدة والجماعات المنبثقة عنها، بقيادة التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وبرعاية أمير المؤمنين الجديد (رجب طيب أردوغان) الرئيس التركى البراجماتى الطامح فى استعادة عروش الدولة العثمانية.
بنهاية المطاف تأتى واشنطن بالإسلاميين الجدد، كحائط صد يمنع تمدد لاعبى الشرق الأوراسى (روسيا – الصين)، ويحقق للبحرية الأمريكية استمرارية السيطرة على الموانئ والممرات المائية الدولية فى البحر الأحمر، وحوض المتوسط، ومن ثم قطع شرايين وأوردة الممرات التجارية البحرية لطريق الحرير الصينى، وحرمان روسيا والصين من الثروات المعدنية والاحتياطات الضخمة من الغاز والنفط الموجودة بها.
من ناحية أخرى، تبدأ هذه القوى فى الإزاحة والاصطفاف شمال دول القوقاز، وضرب روسيا فى خاصرتها الجنوبية، بالتوازى مع عمليات الإزاحة حتى حدود الصين، وتفعيل دور الخلايا النائمة داخل المجتمعات الإسلامية للجمهوريات السوفيتية القديمة (وسط آسيا)، وإشعال ثورات ملونة جديدة تقطع الممرات الاقتصادية لطريق الحرير، ومن ثم تتحقق نبوءة (برناند لويس)؛ «حدوث الشىء نفسه ليس فقط فى بلدان الشرق الأوسط الحالية، ولكن أيضًا فى الجمهوريات السوفيتية المستقلة حديثًا».
وبمساعدة الأقليات الانفصالية فى منطقة (شينجيانج) الصينية يمكن زعزعة استقرار الصين، بعد أن فشلت واشنطن فى إدارة ثورة ملونة جديدة تشجع انفصاليى (هونج كونج) سنة 2014، حينما عجز نشطاء ثورة المظلات عن تقمص روح ثورات الربيع العربى، ومن قبلهم الانفصاليون الإسلاميون كمحاربين من أجل الديمقراطية الأمريكية فى الشيشان وطاجيكستان وجورجيا.
(شينجيانج) منطقة حكم ذاتى تقع فى أقصى الشمال الغربى للصين، يعيش بها حوالى (11,5 مليون) مسلم صينى من عرق أويجورى ومن أصول تركية، وبها جماعات انفصالية تطالب بقيام دولة تركستان الشرقية مجددًا.
شباب هذه الجماعات وعددهم تجاوز الخمسة آلاف مواطن صينى ذهبوا للدراسة فى جامعات أنقرة فى السنوات القليلة الماضية، وعبر الخلايا النشطة هناك تم تجنيدهم للانضمام إلى صفوف داعش بسوريا والعراق. العديد من هؤلاء الشباب المنتمى إلى الحزب الإسلامى التركستانى الأويجورى الذى يعمل من الخارج، عاد إلى مواطنه الأصلية، وبدأت العمليات الإرهابية تطال الصين مجددًا منذ سنة 2016.
الحزب الإسلامى التركستانى الأويجورى؛ منظمة مسلحة انفصالية تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة فى تركستان الشرقية شمال غرب الصين، وتكافح هذه الحركة من أجل الحصول على استقلال منطقة شينجيانج.
تمكن الحزب من ضرب جذوره فى سوريا أثناء الحرب، بمساعدة جيش النصرة الذى نظم للحزب أول معسكر له على الأراضى السورية، وتم إطلاق موقع ناطق باللغة التركية، مقره فى تركيا، لتجنيد المجاهدين الأويجوريين للقتال فى سوريا، وهو موقع يعمل تحت ستار ألعاب الفيديو جيم وتعاليم الأطفال.
كما يتنافس كل من جيش النُصرة، وتنظيم داعش، وحركة أوزبكستان الإسلامية، فيما بينهم، على تجنيد المقاتلين الأويجوريين.
فرع الحزب فى سوريا ذو القومية الأويجورية، وعقيدة أصولية، ووحدة تركية طورانية. هو جزء من الحزب الإسلامى التركستانى الأويجورى (الأم) وجيش النُصرة، وجيش الفتح، ويتحالف مع حركة طالبان الباكستانية، وتنظيم القاعدة، وحركة أوزبكستان الإسلامية، ومقره فى إدلب واللاذقية وحلب.
وقد بدأ بالفعل الحزب الإسلامى فى حشد صفوفه مع حركة طالبان على حدود أوزبكستان وتركمانستان فى الأول من يوليو ٢٠١٧، دون تسمية الهدف من هذه الحشود.
المنطقة الجغرافية الواقعة داخل ما أطلق عليه النخبة فى واشنطن دول البلقان الأوراسى هى منطقة معقدة التفاصيل من المنظور التاريخى، فالسواد الأعظم من سكان هذه المنطقة مسلمون كانوا يعيشون قديمًا تحت نفوذ الإمبراطوريات الثلاث: الروسية – الفارسية – التركية.
يُعد وادى فرغانة الواقع فى القلب من آسيا الوسطى وتتقاسمه كل من شرق أوزبكستان – جنوب قيرغيزستان – شمال طاجيكستان، من أهم بؤر التوتر الذى يمكن أن يحول أراضى وسط آسيا إلى بلقنة أوراسية جديدة. إذ تحتضن منظمات إسلامية تدعو إلى الخلافة الإسلامية مثل: حزب التحرير الإسلامى، الذى تأسس بعد انهيار الدولة العثمانية، وينتشر بفروعه الإعلامية حول العالم، والحركة الإسلامية الأوزبكية التى تقاتل جنبًا إلى جنب فى سوريا مع الحزب الإسلامى التركستانى الأويجورى.
لافتة جيش النُصرة فرع القاعدة فى سوريا بعد إعادة تسميته «بهيئة تحرير الشام» تحت رعاية جهاز الاستخبارات البريطانى، انضوت تحتها كل من الحركة الإسلامية فى أوزبكستان – الحزب الإسلامى التركستانى الأويجورى – كتيبة التوحيد والجهاد (جهاديون من أوزبكستان، وقيرغيزستان).
يعلن هؤلاء الجهاديون، فى شريط فيديو تم بثه من سوريا، عن تحالفهم، وأن هدفهم الأول هو الإطاحة بـ«الجزار» يقصدون الرئيس (بشار الأسد).
هذه الجماعات المنحدرة من وادى فرغانة لا تزال تؤكد على الكفاح، سواء من أجل استقلال مجتمعاتها فى آسيا، أو انضمامها إلى تركيا.