..العالم ومنه القوى الحية بالمغرب يستحضرون ذكرى اختطاف/ استشهاد الوطني والمفكر والقائد المتميز المهدي بنبركة ..يستحضر – بضم الياء – رفاقه في الوطنية والعمل السياسي والحزبي باعتبارهم قدوة ..ان اسئلته الكبرى التيتحمل مشاريع أجوبة استراتيجية وقفت على نتائج وانعكاسات ومخلفات السياسات الإستعمارية ..كما حللت طبيعة الأوضاع بعد إستقلال المغرب , وانتقدت وثيرة سير بناء الدولة وطنا وشعبا ومؤسسات ..واستحضرت في تقرير الإختيار الثوري الإفتحاصي والتشخيصي لمعيقات واختلالات تلك الحقبة وارتباط وتأثير نتائجها وطرق التعامل معها إيجابا وسلبا على السنوات والعقود الموالية ..ذلك أن الطروحات والبرامج والبدائل التي وقف خلفها قادة و زعماء وطنيون كانت ومازالت مرجعا لفهم ما جرى والتعرف على ما سيجري ..
لهذا سنعيد صياغة التساؤلات والإشكالات المطروحة في “الاختيار الثوري ” بجعلها مجتمعية وليس فقط حزبية ..في علاقة ب”السياسة ” باعتبارها فن وعلم تدبير الممكن تحققه فعليا في الواقع ببدل الجهد المقدور عليه حسب المتوفر لبناء عدالة إقتصادية وإجتماعية مع ما يلزمها من تأهيل للمجتمع والنخب ثقافيا ومعرفيا ..بإحتمال وجود إكراهات ومعيقات طبيعية ومفتعلة ..
إن من نافلة القول , وعند بداية أي عمل , أو وضع أية سياسة أن تشحذ الهمم , وتزرع الثقة وتقوى في نفوس الجماهير ، كضرورة لجعل كل الطاقات تتحرك بإيمان ونشاط و حماس نضالي حتى لايتسرب إليها الياس , و يضعفهما التهافت على المصالح، والتسابق على الإمتيازات ..ولتجنب إخراج قطار التطور والتنمية عن مساره بفعل أنانيات تحب التسلط على الناس واستغلالهم والإستهتار بقضاياهم , وجعلهم عرضة لآفات التهميش والضياع والظلم الذي إن جاوز المدى يشعل النفوس غضبا إيجابيا أو سلبـيا لايعلم أبعاده ونتائجه وانعكاساته لا الظالمون ولا المظلومون …
إن مهمتنا جميعا في مواجهة كل التحديات والإكراهات ومعالجة أغلب الإنتظارات ..هي :
أولا : تجنب اضعاف الشعب بتسرب الياس إلى النفوس والشك في الجميع .. ثانيا : بحماية الأنفس من الإنكسار والغرق في الفشل المعنوي والعقلي والبدني ..
إن المواطن المناضل والكادح من أجل بناء أسرته ووطنه يسعى لحمايتهما من كل أشكال وأنواع الانهزام تجاه الأعداء والخصوم الخارجيين , وتجاه الظلم والفقر والأمية والخصاص والهشاشة …
إن كل من يسعى عن طريق الإشاعات والتشكيك الممنهج لتخريب المشهد السياسي الديموقراطي في ظل التجاذبات و التحولات التي عرفتها و تعرفها بلادنا بأن العمل السياسي وخاصة منه الدستوري والقصد هنا الأحزاب السياسية والعمل الإجتماعي الذي تؤطره المنظمات النقابية أصبح متجاوزا ويجب التخلص منه ..لايخذم في الحقيقة إلا خصوم الديموقراطية والتعددية بالوطن وخصوم المغرب بالخارج الذين لايجدون حرجا في أن يهاجموا الدولة شعبا ومؤسسات كلما سنحت لهم الفرصة ….
إن ما نحتاجه جميعا هو إعادة البناء سياسيا وإداريا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا .. وليس فقط وصف وتشخيص الأوضاع والحالات ..فممارسة التدبير دون علم بآلياته ودون وضوح في الرؤية وبنقص في الخبرات والتجارب ودون قدرة على العطاء والإجتهاد والإبداع مدخل كبير للأخطاء والمشاكل والتعثرات ..إن الانتماء للأحزاب التي يخول لها الدستور بالأفضلية الترشح وتحمل المسؤولية وإدارة أمور البلاد ترابيا ووطنيا لايكفي فيه تحقق التناوب على الكراسي بالانتخابات حتى نكون ديموقراطيين ..ومن هنا فالمطروح هو كيف نجند الطاقات , ونطور القدرات , ونضع المخططات المعقلنة والواقعية بكفاءة تجعل الرجل المناسب في المكان المناسب قولا وفعلا ومعرفة وتجربة وقدرة على الإجتهاد والعطاء بإبداع وإتقان ..إن الإختلال الواضح هو أن الغالبية العظمى من المنتخبين والمرشحين لاعلم عندهم بطبيعة المسؤوليات التي سيتحملونها , ولا خبرة , ولا احاطة بالقوانين والتشريعات الجاري بها العمل , وهذه من مسؤوليات الاحزاب والدولة معا ..كما أن آلية مواكبة الأحزاب للمنتخبين لاترقى إلى المستوى المحقق للحكامة السياسية في تدبير أعمالهم وتوجيههم ورعايتهم ومراقبتهم …
إن المطلوب منا جميعا أن نكون واضحين وصريحين وقادرين على ترجيح كفة قوى التقدم والتطور والمعرفة أي أنصار المستقبل المشرق لنحمي الدولة والشعب من القوى الرجعية والظلامية التي تريد التحكم وإخضاع الجميع لنزواتها وسياساتها الإستبدادية التي تسيئ إلى كل ما هو جميل سواء نزل من السماء أو خرج من عقول المفكرين والعلماء …
إن الاخطاء التي نقع فيها :
-إما ترجع إلى سوء تقدير في اختيارنا للحلول , أو اعتمادنا على أشباه الحلول التي تزيد المشاكل والأزمات تعقيدا ..
– وإما لها علاقة بانغلاقنا على أنفسنا , وتعصبنا لآرائنا , ودخولنا في معارك ليس من أجل تجميع مكونات الحقيقة وصياغة الحلول الناجعة , بل من أجل انتصار وهمي لأفكارنا كأشخاص أو هيئات أو مؤسسات , وكل واحد منا يصوغها وهو على مسافة غير معقولة من المعنيين الحقيقيين أي الشعب بطبقاته وفئاته وشرائحه ..
-وإما لها علاقة بغياب تأطير فكري ومعرفي علمي متنور يكسبنا القدرة الإيجابية على حسن الإختيار ,وحسن التنزيل , وحسن المواكبة ..
إن الكثير من الشعارات و المطالب والملفات التي اجتمعت عليها هيئات أو نخب وفعاليات عبر تاريخ المغرب كانت توصف أحيانا في مهدها بأنها متطرفة , وتدعو للفتنة , وتشعل المعارك بالمجتمع , وتخلق حالة من عدم الإستقرار , تعلق الأمر بالسياسات الإقتصادية أو غيرها ..أصبحت بعد سنوات في خطابات و ضمن أدبيات حتى القوى التي كانت ضد التغيير وتحاربه بكل الطرق , كما أنها أصبحت بنودا وموادا أساسية في الإصلاحات التي اعتمدت ولو متأخرة بقوانين البلاد ..
إن إدارة وتدبير الإختلاف يحتاج إلى العقلاء عند التفكير والتدافع , وعند التوافق ..فالحقائق غايات الناس ولا أحد له الحق في احتكار نسبتها إلى نفسه أو هياته لانها ملك للجميع ..
إن النقد البناء والعملي المولد لبدائل أكثر نضجا وفائدة ليس حراما ولا عيبا ولا خروجا عن الأعراف وضوابط التواصل ..كان في مواجهة الذات , أو في علاقة بالمحيط والسياسات والافكار والبرامج ..
إن عملنا من أجل جعل النقد معملا لإنتاج الأفكار والبرامج والتحليل العلمي , هو الذي سيجعلنا أكثر تواضعا وعملا وتضحية في سبيل الصالح العام ..
إن كل عمل بين القوى الحية من جهة والمؤسسات يجب أن يكون مبنيا على تعاقد واضح وشفاف يقوم على أساس برامج منسجمة ومتكاملة , ويقوى لمسقبلها المشرق والسليم في علاقة بحاضرها الجدي والصادق ..
إن الوحدة الإفريقية مثلا على اعتبارها شأنا مهما بالأمس عندما كنا نناضل جميعا من أجل الحرية والإستقلال , ونسعى لبناء الديموقراطية .. تجعلنا نبدل الجهد لحل كل الصراعات وتدويب كل الإختلافات وإحلال التعاون المشترك والتكامل الإقتصادي , وخلق جبهة إقتصادية و استراتيجة بأية صيغة وحدوية تقوي التلاحم وتحقق التنمية المستدامة وتبني مؤسسات ديموقراطية وتجعل الشعوب رائدة بالعلم والمساهمة والمشاركة في الإنتاج والتنمية والإستثمار ..
(ان التنمية الصحيحة لا تتم إلا عن طريق تعبئة كاملة لسائر الموارد الوطنية وبتوظيف العمل. وليست هذه قضية فنية بحثة بل إنها قبل كل شيء قضية سياسية. لا لأن التوزيع يجب أن يكون عادلا فحسب، لكن لأن هذه التنمية يجب أن تكون مسبوقة بتحضير إيديولوجي، يتضح معه الهدف كضرورة ملحة وكتلبية لمصلحة الشعب..)- فقرة من الاختيار الثوري –
إن السبيل الوحيد للتوفيق بين المصالح المختلفة، هو تمكين فئات ومكونات المجتمع ، من أن تكون لها رؤية واضحة وشاملة لمتطلبات تنمية وطنية ..كما أن من مهامها الضرورية والمتجددة محاربة التخلف بكل أنواعه وأشكاله بما في ذلك أسبابه المباشرة وغير المباشرة الفكرية والمادية ..
إن وضع القوانين أو مراجعتها لايعني بالضرورة حصول التغيير المنشود ..ذلك لأن المسألة لها علاقة بجعل القوانين ملائمة لواقع الناس ومنسجمة مع مصالحهم الموضوعية والعادلة , وقابلة للتطبيق والتنزيل , وأن تصبح جزءا من الثقافة العامة عند الناس إيمانا وحماية واحتراما وتطبيقا تلقائيا ..
إن كل من يتحمل أية مسؤولية نضالية بالمؤسسات وخارجها يجب أن يدرك أنه في ذلك الموقع وفي مكان أو زمان ليناضل ويعمل مع ووسط الشعب الذي لولاه لما كان أي شيئ ..لهذا وجب الإهتمام به , والتنافس العملي من أجل مصالحه الوطنية والمشتركة وحتى الخاصة المبنية على الكفاءة والقدرة على العطاء والإبداع …
إن كل إصلاح حقيقي لايكون كذلك إلا إذا كان أداة لتقوية الشعب ومؤسساته وجعلهم متكاملين ومؤهلين للريادة في العالم أو شركاء رئيسيين في صنع مستقبله .
تارودانت : الخميس 5 صفر 1439 / 26 أكتوبر 2017.