من بين إفرازات البلوكاج السياسي وما تعقبه من حالات نضالية ان صفوة الشعب لا تريد إسقاط النظام ، و تكفي التعبيرات الصادقة مساءلة الجلادين المفترضين والمسؤولين عن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ناهبي المال العمومي وكذا مهربي العملة الوطنية ومبيضي المال الحرام والأسود ، بعيدا عن منطق الحصانات والعفو القسري ….فليس غريبا أن يتم تسريب الشعار من قبل من لهم مصلحة في بقاء الحال على مكان على ايقاع نفس الفزاعات، و إن الشعب لن يلتفت للصفقات السرية التي تجري داخل المربعات أو الصلونات ، موضوعها الهادف يروم تأجيل مأسسة الحكامة الأمنية بعيدا عن الرقابة الدستورية للبرلمان والحكومة للمجلس الاعلى ، وتحييدهما عن السياسة الامنية القومية ، مقابل حياد سلبي ل ” الأجهزة ” الأمنية في العلاقة مع صناديق الاقتراع ، وبذلك فالشعب لا يريد سوى اعمال ضمانات عدم التكرار وارساء استراتيجية الحد من الافلات من العقاب وجلاء الحقيقة في الملفات العالقة ذات الصلة بالاختفاء القسري .
لكن هل فعلا هناك شعب يتمثل هذه المطالب ؟ هل نحن بصدد تبني المجتمع لقضايا وتوصيات العدالة الانتقالية ؟
يبدو ان ما يجري لا يؤشر الى طموحات الجيل الجديد من الانتقالات الديمغرافية او الديموقراطية حتى .
فعندما نتحدث عن الجيل الجديد نقصد مطلب دولة العهد الحديث الذي اختار شعار الحداثة دون أن يتحرر من التقليدانية ، جيل يؤطر انتقالا ديموغرافيا دون أن يقطع مع ماضي سنوات الرصاص ، وكيف له ذلك وهو لا زال يتواصل تاريخيا مع مقتضيات و فلول الدولة اليعقوبية القائمة على مركزية مطلقة بهامش موسمي من اللاتمركز ، على مستوى الحلم والتنظير ، مما أجهض مطلب فدرالية الجهات .. بالرغم من أنه يسود فيه رؤساء الجهات دون أن يحكموا ، وبتدخل العقل الأمني الناعم ، دون عنف ، اقتسم حزبان النفوذ الحكومي مع تفوق عددي نسبي لأحدهما كي يتلاءم مع نفس النفوذ الكمي الحاصل في الحواضر والمدن الكبرى ، في حين سيظل الثاني مهيمنا على الجهات ، لتصير الخريطة ، تكيفا لا تحولا ، معبرا عن توازن شكلاني ، بين حكومة مركزية مقابل حكومات جهوية ، كلا الأنظمة تشتغل كإدارة تحت إشراف سلطان السلطة التنفيذية الحقيقي ، مما يوحي بأن الإصلاح المؤسساتي سينحو عبر الأفق العرضاني ، فهل ستنجح الدولة المركزية في استكمال مسلسل المصالحات المفتوح ، والذي كان للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أن خطط له وطالب بتفعيله ، انطلاقا من مصالحة الدولة مع المجتمع ،مصالحة الوطن مع ذاته وماضيه ، بالمحاسبة والديموقراطية ، بالديموقراطيات المحلية وجبر الضرر الجماعي وكذا الفردي ، على المستوي المحلي ، خاصة بالنسبة لمن فاتهم الأجل ، وذلك عبر مأسسة صناديق جهوية للإدماج الإجتماعي ، خاصة بالنسبة للأحزاب التي تزعم ارتكاز مرجعيتها على صك «المصالحة والإنصاف » ، وما يترتب عن ذلك من بقية أشكال المصالحات مع مطالب عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، الاقتصادية والاجتماعية ، والاضطهاد الثقافي ، برفع التهميش والإقصاء الاجتماعيين ، ومناهضة التمييز والوصم ، باقرار عدالة مجالية ومناخية ، فليست العدالة الإجتماعية سوى امكانيات لبلورة وتأسيس فضاء يتشكل ويتطور من أجل تدبير الصراع المفترض ، الصراع السياسي والإجتماعي داخل وحدة متنوعة ومتعددة ، بعيدا عن اللبوس الديني أو الأخلاقي ، وتفاديا لأي افتعال لأية ثنائية وهمية ، بين الشر والخير أو تصنيف مزعوم لصراع شبح بين « تجار أفيون الشعوب » وبين « تجار مكيف العقول » .