بدا الدكتور سعد الدين العثماني، في الحوار الذي دار بين جدران لاماب، كما لو أنه يرافع عن جدوى بقاء الحكومة، بشكلها الحالي.. والطمأنة بأن المتوقع السياسي وسقف الانتظار لن يطال الحكومة، حتى ولو حدث الزلزال..
قد يعطي هذا المسعى الانطباع بأن البناء الحكومي أقوى من أي زلزال محتمل، وأنه يملك من مقومات الصمود ما يجعل كل ارتداد يحدث بعيدا عن التشكيلة الحكومية، لكن الذي قد لا يحضر في تركيب ذهني ولغوي من قبيل ما تحدث به السيد الرئيس هو أن الحكومة لا تجد نفسها في التوجه التحفيزي الذي سارت عليه عبارات الخطاب الملكي..
وتكرس الانطباع بأن القلق الذي يعبر البلاد، لا يمر بالمشور حيث المقر الحكومي،… وأن قوس الاضطراب يمس كل مناحي الحياة، بدون أن يمس حكومة هي بذاتها كانت حلا لحالة انحباس سياسية ودستورية وتفاوضية لا داعي للعودة إليها..
غير أنها ترخي، ضمنا أو صراحة، بظلالها على المواقف المعبر عنها:
(1) ليست هذه المرة الأولى التي يتكلم فيها سعد الدين العثماني بهذه الطمأنينة.. فقد سبق له عندما قدم الحصيلة المتعلقة بمرور 120 يوما على تشكيل الحكومة أن أكد على أن الحكومة باقية، وأن الذين تنبأوا بسقوطها »سينتظرون طويلا..« ، واتضح أنه يعتبر الحديث عن احتمال تفكك الأغلبية يكاد يكون مخططا «سيء النية«.. وهو بذلك ربما يرافع عن تشكيلة يعرف ظروف ولادتها، كما يعرف بأن خروجها كان من رحم المعضلة!
(2) قد يكون صمود الحكومة، في ظروف محددة، بحد ذاته إنجازا، ولا شك أن الأوضاع الاستثنائية تفرض مخارج استثنائية، غير أن الذي أعلن من أعلى منبر تشريعي عن وجود حالة قلق وطنية، يعرف بأن المؤسسات كلها معنية بذلك.
(3) ليس المطلوب من الحكومة أن ترحل لكي يشعر الرأي العام بحالة القلق، أو الراحة…. أبدا!
لكن لا يمكنها أن تتحدث بمنطق طبيعي في وضع غير طبيعي!
هناك نظام اجتماعي ينهار…..
وهناك شعور عام بصعوبة تحول عقلية الدولة ومؤسساتها في التعامل مع الجهوية…..
وهناك شباب يطلب منه تأجيل ما لا يؤجل وهو حياته..
وهناك تفكك النموذج التنموي، وصعوبة إفراز آخر جديد..
وهي كلها أمور غير طبيعية ولا هادئة وسيكون من الطبيعي أن تتحرك الآلة الحكومية بسرعة أخرى وبتصور جديد، صار منطقيا أن يواكب خطاب الملك، الذي قدم حالة الأمة، وتنبأ بالزلزال.. أما الامتداد في نفس الخط فلا يعتقد بأنه سيكون منتجا..
(4) من المنتظر من الحكومة، التي تستمد من صناديق الاقتراع وجودها، أن تحدد مسؤوليتها، ومسؤوليات المؤسسات الأخرى : الحكامة الاقتصادية والتفاوضية وباقي أجهزة الدولة..لا يمكن ألا نسمع لها رأي في تفعيل مؤسسات الدستور في مجال الاقتصاد مثلا: مجلس المنافسة، وجل المؤسسات التي جعلت منها الهندسة الدستورية للبلاد ساهرة على هذا النموذج الذي يترنح قبل إعلان وفاته السريرية… .
وفي الحديث عن النموذج التنموي: لقد مر المغرب بنماذج عديدة في خياراته الاقتصادية، غير أنه اليوم أمام نموذج بدأ منذ عقد، يقول عاهل البلاد بأنه ينتج الفوارق والتوترات الاجتماعية والإقصاء، وهو نموذج المشاريع الكبرى، والتي تشرف عليها قطاعات الحكومة: المغرب الأخضر، المغرب الأزرق، التوجهات الطاقية الكبرى.. الخ، لا يعقل بأن يكتفي الرئيس بعبارة عامة، تتحدث عن «ضرورة التطوير،« في الوقت الذي يفتح الخطاب الملكي أفقا للزلزال:هل سيقبل العثماني بزلزال قد يغير من طبيعة النموذج رأسا على عقب، نموذج ليبرالي محض مثلا ؟
(5)لقد كان الخطاب موجها إلى كل مؤسسات الدولة الدستورية، ولا أحد يريد زلزالا بدون سقف دستوري، والحكومة هي إحدى هذه المؤسسات وأكثرها تلخيصا للمجهود الدستوري الوطني، غير أن الحديث كما لو أن الأمر ينحصر في تعديل حكومي واسع أو ضيق لا يعطي رؤية عن التصور الموجود حاليا لتدبير الاستعصاءات التي تحدث عنها الخطاب ودعا إلى إعادة النظر فيها..