اثار البلاغ الصحفي الذي صدر عن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي خلال نهاية الاسبوع الماضي في موضوع غياب بعض اساتذة التربية الوطنية ردود فعل هيئة التدريس و الشركاء الاجتماعيين كلها رفضت هاته  الخرجة الإعلامية غير محسوبة العواقب و النتائج . علما ان الغياب ظاهرة ليست بالجديدة لكنها مؤطرة بقوانين و مراسيم و قرارات و مذكرات و دوريات  و مساطر…فلنطبق القانون  و لنبتعد عن كل مظاهر التشهير.   

و مما يدعو للاستغراب ان البلاغ المذكور ينطلق من مبدأ الانسجام مع توجهات تعزيز الثقة في المدرسة المغربية مستندا في ذلك الى معطيات منظومة مسار و هو امر يناقض بدايته نهايته .

و بعيدا عن لغة الخشب و الدفاع عن غياب الاطر التربوية بالأسلاك الثلاثة او تبريره فإننا نسجل الملاحظات التالية :

   أولا : إن عدد الأساتذة الذين تغيبوا خلال شهر شتنبر 2017 بلغ 611 أستاذا من أصل 237000  أستاذ و هو ما يمثل نسبة 0.2  في المائة و هي نسبة قليلة بكثير مقارنة بغيابات سنوات سابقة و في  قطاعات  أخرى.

  ثانيا : انه من اصل 611 استاذ غائب 430 منهم قدموا شواهد طبية لإدارات مؤسساتهم مما يعني ان عدد الغيابات غير المبررة هو لمجموع  181 استاذ فقط من اصل 237000 اطار تربوي و هو ما يمثل نسبة 0.07 في المائة .

 ثالثا : ان عمليات  زجر الغياب و الحث على الحضور و التحفيز على العمل و المردودية  و القيام بالواجب المهني لها ضوابطها القانونية و الادارية و الاخلاقية اذ ليس من حق اي موظف و مهما كانت مسؤوليته الادارية ان يلجا الى التشهير في حق موظف اخر. و ما قامت به الوزارة و هي تنشر لوائح الاساتذة الذين تغيبوا خلال شهر شتنبر 2017 يعد تشهيرا  و افشاء للسر المهني .

 رابعا : ان البلاغ الصحفي المرفق باللائحة الاسمية للأساتذة الغائبين يناقض مقتضيات احكام الفصل 18 من ظهير 1958 و الخاص بالنظام الاساس العام للوظيفة العمومية و خصوصا مقتضيات نص

             ” بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني فان كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الاعمال و الاخبار التي يعلمها اثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها ” .

  خامسا : صحيح انه تظل سلطة الوزير محررة للموظف من لزوم كتم سر المهنة و منها الاشعار بأسماء الأساتذة الغائبين لكن هاته السلطة لا يجب ان تستعمل في غير محلها . فالبلاغ الصحفي للوزارة يؤكد على انه من اصل 611 استاذ غائب 430 منهم غابوا بعذر و قدموا شواهد طبية تؤكد ضرورات الغياب الصحية لمدد تتراوح بين 4 ايام و 95 يوم . و نعلم جميعا ان عمليات تسليم الشواهد الطبية تخضع لإجراءات و مساطر صارمة اذ لم تعد كما كانت من قبل و للإدارة الحق في اخضاع الموظف للفحص الطبي المضاد من قبل اللجن الطبية الاقليمية . ثم ان هاته الشواهد الطبية  تدخل ضمن مقتضيات القوانين المعمول بها و منها النظام الاساس للوظيفة العمومية خصوصا الفصول 38 الى 41 مثلا .  و قد سلمت من قبل المتغيبين الى ادارات مؤسساتهم و التي تنقلها بدورها الى المديريات الاقليمية ثم الى الاكاديميات بعد مرور 90 يوما فيتم بعثها الى الموارد البشرية مركزيا – هي اذن رخص لأسباب صحية تستوجب حقوقا مضمونة للموظف دون ان يدخل في خانة المتغيب بصفة غير مشروعة ان لم تشبها شوائب و ان احترمت كل الضوابط و الاجراءات  النظامية .

سادسا : ما وجه الشبه بين نشر لوائح الاساتذة الغائبين برخصة او بدونها و بين تعليق نتائج نجاح التلاميذ بذكر و نشر الراسب منهم فقط  . الم تعاقب الوزارة مدير المؤسسة  المعنية في حينه . وهل فكرت الوزارة في الحالة النفسية لمجموعة من الاساتذة الغائبين بعذر و ترخيص طبي . اذ من المؤكد ان من بينهم من هم طريحو الفراش و منهم من يعاني في صمت .

سابعا : ادعو الوزارة للتفكير بجدية غير مسبوقة في اوضاع اسرة التربية و التكوين بكل اسلاكها خصوصا انهم يرافقون و يصاحبون الاطفال و الشباب من الرياض الى التعليم العالي و يشهدون على نجاحاتهم  وإخفاقاتهم  . و تجدر الاشارة و التذكير هنا بان افراد اسرة التربية و التكوين معرضون اكثر من غيرهم الى الاصابة بأمراض قد لا يصاب بها غيرهم من مثل الامراض النفسية و العصبية و الجلدية و الشرايين و الزهايمر و الخرف و امراض الصدر و الحنجرة و امراض السرطان و امراض البصر و الحساسية و غيرها مما اكدته دراسات حديثة .

       لكل ما سبق فإننا نعتقد ان هذا البلاغ مرفقا باللوائح الاسمية  في غير محله . بل انه في حالة شرود . اذ له انعكاسات سلبية عكس ما كان ينتظر منه . فعوض تسجيل ايجابية النقص المسجل في الغياب مقارنة مع سنوات مضت و تهنئة السيدات و السادة الاساتذة و الاداريين و المستخدمين على تعبئتهم الجماعية و مجهوداتهم التي جعلت من هذا الدخول المدرسي متميزا عن سابقيه تاريخا و مضمونا في مجموعة من المواقع بفعل جدية و مثابرة اسرة التربية و التكوين . و بدل تثبيت ثقافة الاعتراف و التنويه بالمجهودات و المبادرات التي يتخذها مجموعة كبيرة من السيدات و السادة الاساتذة و الاداريين ثقافيا و رياضيا و ترفيها سواء داخل الاندية او خلال الالعاب المدرسية و تاطير الخرجات و الرحلات و  دروس الدعم و تزيين المؤسسات و تنشيطها تطوعا و دون مقابل و هم يقومون بواجباتهم  الوطنية اولا و الوظيفية ثانيا   اختارت الوزارة التشهير ببعض قليل من الاساتذة الغائبين بعذر و بغير عذر و في ذلك اساءة لأسرة التربية و التكوين برمتها …

 فمثل هاته  الأمور و كل المبادرات و القرارات غير محسوبة العواقب و غير المدروسة  قد  تسبب في ردود افعال  تعود سلبا على المنظومة . 

           و قبل الختم  اهمس في اذن السيد الوزير جهارا فأقول له

  • اولا : تأكد ان لائحة الغياب غير مكتملة و غير مضبوطة بصفة نهائية و قد تكون خضعت لمنطق المحسوبية و الريع او الحسابات الضيقة  في  وضع او عدم وضع هذا الاسم او ذاك .
  • ثانيا : لماذا عدم احتساب من يوم الى ثلاثة غيابا و اين  تم تصنيف  رخص الولادة و رخص فريضة الحج …
  • ثالثا : حتى و لو كان امر البلاغ و نشر اللائحة في اطار حق الحصول على المعلومة و هو من الحقوق التي يضمنها دستور المملكة في الفصل 27 منه تكريسا لحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا و تعزيزا للشفافية و ترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة فانه لا يستقيم بنشر اسماء الغائبين بعذر و بغير عذر و بذلك تختلط  الامور .
  • رابعا : استحضارا للتوجيهات الملكية و تنفيذا للبرنامج الحكومي في قضايا التربية و التكوين  لكم ان تسهروا على تطبيق القانون تعميقا  للديمقراطية من حيث الممارسة و  القيم  و تجسيدا للتوجهات الكبرى للمملكة و تفعيلا  لمبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة  في كل المستويات المحلية و الاقليمية و الجهوية و الوطنية و كذا في كل المسؤوليات وذلك بفتح كل الملفات و نتم اعلم  بأغلبها و ان غابت عنكم بعضها فإنكم في موقع تاتيه المعلومة دون طلب . و قد اتخذتم قرارات صفقت لكم من اجلها  اسرة التربية و التكوين . فلا تخطئوا الطريق و لا تخلطوا الاوراق .

 عود الى بدء لأقول إن الدينامية المسجلة في القطاع يجب ان تصاحبها اجراءات نواتها الاهتمام بالموارد البشرية و الاعتناء بأحوالها و وضع حد للملفات المطلبية المرتبطة بتسوية الوضعيات الادارية و النظامية و كذا بتحسين ظروف الاشتغال و الحد من ثقافة المحسوبية و الزبونية و الريع لدى بعض المسؤولين و اذكاء ثقافة الاعتراف و الاشادة بكل المبادرات المثمرة و الفعالة و المنتجة و المساهمة في تكوين المواطن الصالح لنفسه و وسطه و وطنه . مواطن متشبع بروح المبادرة و التعايش و قبول الاخر  و ثقافة الاختلاف و الروح الجماعية في وطن يتسع لكل المغاربة  .

فنجاح منظومة التربية و التكوين رهين بنجاح الأسرة بكل مكوناتها فلا يجب ان نخطئ الهدف و المسار . فأسرة التربية و التكوين مفتاح من مفاتيح تطور و نهضة و تقدم وطننا فلنحافظ على كل مفاتيح ذلك .

الرباط في 15 اكتوبر 2017
 الأستاذ محمد الدرويش .                  
مختص في قضايا التربية و التكوين .
الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلا.
رئيس جمعية الخدمات الاجتماعية للتعليم العالي .   

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…