(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ(23) ) سورة الانفال

سنضع الايات المباركات من سورة الانفال  في سياق أي زمن وأي شعب وأية ملة ..ذلك أن الذين ءامنوا بالرسالات السماوية وتلقوها من أنبياء أزمنتهم القديمة واستمروا في الايمان بها  وقراءتها والاستماع لتلاوتها  بل وأحيانا بحفظها كلمة كلمة عن ظهر قلب ..فكلهم معنيون بالإجابة على الإشكالات التي تطرحها الآيات..وقياسا على ذلك كل من يستمع ولا يعقل ولا يستفيذ ولا يطور معارفه التي تصلها بكل وسائل الإدراك يدخل في هذا التوصيف البديع يعرف الحيوان العاقل المسؤول عن أفعاله وأقواله وقراراته وسياساته  ..وغير العاقل وهما نوعان “الحيوان الانسان” ..و”الحيوان الحيوان”  ..فالحيوان الإنسان إذا كان عاقلا ولم يتحمل مسؤولياته فإنه سيدخل ضمن الذين  يرفع عنهم القلم شرعا وقانونا ومنهم المجنون والصبي ..أما ” الحيوان الحيوان” فإنه لايساءل ولا يحاسب على ماله علاقة بسياسات وأفكاروافعال  وقرارات الإنسان ,  بل يحاسب  الإنسان على أفعال ارتكبها الحيوان الذي في عهدته أيا كان نوعه ..

إن الآيات تتحدث عن ظاهرة ترتبط بالإعراض  والتولي في علاقة بتفاعل الناس فيما بينهم وخاصة المسؤولين منهم:    

_  الإعراض عن الكلام أثناء إلقائه برفض الإستماع له وعدم  ايلائه أي  اهتمام  بعد ذلك ..

_   ادعاء وتصنع السماع دون تحقق المطلوب  معنى وفهما .

_   التولي بعد تحقق السماع والمعرفة الكاملة ..أي الإدبار والإعراض ..بتجاهل كل ما سمع بل والعمل بنقيضه..وللاشارة فالتولي يذكر في حالة تعتبر من الخيانات العظمى في كل الديانات والحضارات والثقافات  ..وهذا  قد يتسبب في هزائم و حروب , وإسقاط حضارات ودول  أو إضعافها وإذلالها , والأمثلة على ذلك  من التاريخ كثيرة ومختلفة ..كما يمكن   ان  يتسبب  في السياسة  والاخلاق في  هزات وزلازل  تتطلب  حيطة وحذرا  وتعقلا وصبرا وعزيمة لاتلين وعملا لاينقطع  حتى لا يتسلل  الياس و الفشل في النفوس ويعطل  كل المبادرات المباركة  , وحتى لايتعطل السمع والوعي والعمل ..

ولقد شبهتهم    تلكم الآيات  بالدواب  ليفهم الجميع  أنهم معروفون عنده سبحانه  كما يمكن للناس أن يتعرفوا عليهم انطلاقا من مواقفهم وكلامهم وأفعالهم وممارساتهم في السراء والضراء  , وأنه لايمكنهم التمادي في أستغفال أو  إسبلاد  أي أحد ..ونقف تبعا لذلك على :

– إن شر الدواب  الذين لايسمعون  ولا يتكلمون ولا يعقلون  ..

– و أنهم و لو أسمعوا  فإنهم يتولون ويعرضون ..

ونقف في  الآيات على ربط  منهجي  بين الطاعة و المعرفة  بالسماع كمدخل لمسارات متطلبات استمرار الخير وتقويته والعدل بكل تجلياته بالدولة والمجتمع  …

فعند الحديث عن السماع فليس معناه  مجرد الإستماع  , بل الفهم والوعي والإقتناع  ثم الإيمان التطبيقي العملي ..ومن هنا فالله أرسل   أنبياء ومرسلين من الناس ينتمون لمجتمعاتهم وثقافاتهم و يتكلمون  لغتهم ..وإلا لن يتحقق  إلا السماع فقط  , ولأصبح ما يسمع عبارة عن أصوات غير مفهومة  و لامعنى لها , وحتى إن سمع وفهم اللغة والمعاني ودلالات الكلام وليس مؤمنا ولا مقتنعا به  فيعتبر نفسه غير ملزم به ولا يعنيه وبالتالي لايتفاعل معه ايجابا وقد يعمد الى المخالفة  ..

إن الدواب  -أي البهائم –  لايمكن التعامل معها على أنها مثلنا   نحن البشر الذين ندب معهم على هذه الارض  في الفهم  والقدرات العقلية …

إن الوعي وتطور المعارف والعلوم والإجتهاد يكون بالتوظيف المتناغم والمنسجم  لآليات التواصل والاتصال مجتمعة أو ببعضها دون بعض ..وفي حالة تعذر تحقق ذلك وعدم التجاوب  مع ما فيه مصلحة عامة دون تعارض مع المصالح الخاصة  يقترب الانسان  الى مستوى التشبيه ب”الدواب”  بعدم السماع , ولا إتباع أحسن الكلام , ولاما فيه من نصح ومعارف وخير  بغض النظر عن الذي يكلمك أو ينصحك أو يحدثك  .. فالله تكلم مع الإنسان عن طريق أنبيائه وكتبه ورسالاته ..والمفكرون والعلماء تكلموا في حلقات التعليم ومجالس الإبداع  , وتواصلوا بكتبهم وأبحاثهم وإبداعاتهم , وحتى من الذين عندهم علم وخبرة مميزة عن الناس , بل وحتى من يطلق عيهم المجاذيب والدراويش ..لا يخلوا  الإستماع إليهم من فوائد وجميل الحكم ..

إن تامل الطبيعة والكون وتعاقب الليل والنهار  يعلم الانسان  , والاستفادة من الاخطاء والجهالات  تقوي من فرص النجاح والتطور , و حتى مجتمعات الحيوانات والحشرات  , وأشكال الغطاء النباتي كلها مجالات أمرنا شرعا وعقلا أن نتعلم منها ونستكشفها ونستفيذ من طرق تدبيرها عيشها و وجودها ..

إن عدم ربط التعلم وكل ما أكتسب من معارف و مهارات بالواقع العملي تنزيلا جيدا وتطبيقا أفضل لامعنى له ويصدق عليه قوله تعالى  ” مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً “سورة الجمعة ..والأمر متشابه  سواء حملوا الثوراة أو الإنجيل أو  القران او أية معرفة مفيدة ..أي أنهم يعلمون ولا يعملون بما يعلمون .

ونحن نتحدث عن السماع  لابد أن نشير إلى من ليس لهم أي عذر في عدم الفهم ولا عدم الإتباع بالاقتناع أي  العلماء والمثقفون  وكل من يتحمل اية مسؤولية  لها علاقة بالناس ,  بطبيعة الحال قد يكون هنا سماع وفهم مع عدم الاقتناع جزئيا او كليا , وفي مثل هذه الحالات  قال تعالى ” ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” سورة الكهف .. والتنبيه هنا لتجنب أن  يمتد الحال من عدم الإقتناع ولا العمل  إلى  التعطيل و العرقلة , أو العمل بالنقيض والتمادي في التعصب للقناعة الشخصية أو الاستمرار على الخطأ ضدا على المصلحة العامة الراجحة والتابثه  …

قال ابن إسحاق في هؤلاء  إنهم ” المنافقون”  “لأنهم يظهرون أنهم سمعوا واستجابوا وليسوا كذلك “

إن الاستماع يجب أن يكون متبادلا بين الجميع ..لتتحقق معرفة واقع  الناس وأحوالهم بالبوادي والحواضر وأعالي الجبال والسهول والصحاري ,  وبالقطاعات الخذماتية صحة وتعليما ونقلا ومستوى عيش وتشغيلا ..الخ ..فكل المتضررين  يتكلم واقع حالهم بوضوح لا لبس فيه , والعديد منهم  يسمعون  شكاياتهم ومظالمهم ومطالبهم للمسؤولين يوميا  , ويتكلمون عن  برودة التجاوب  معهم , و ضعف في الفعالية , والتسويف والاهمال ..و يتكلمون  وأحيانا يصيحون  ويبثون  تظلماتهم  عبر اليوتوب , أو مواقع التواصل , او الاعلام الورقي , وبالنقابات والاحزاب ومختلف الهيئات المدنية والحقوقية  .. إن تحقق السماع والوعي والعمل فيه تدبير جيد للمشاكل والملفات والمتطلبات , وفيه حكامة تثمن الزمن والامكانيات المادية والثروة البشرية ..وفيه تجنب للأسوأ بجميع تمظهراته ومخاطره ..ان الاعراض عن مطالب الناس وتظلماتهم ومطالبهم المشروعة من علامات غياب  الاستماع وعدم التعقل ..

ولقد اختلف أهل العلم بين من  يرى أن الخطاب في تلك الآيات من سورة الانفال  يهم فقط المؤمنين ويدعوهم  إلى تجديد الطاعة وعدم التولي …ومنهم من يرى أن الخطاب موجه للمنافقين …والله اعلم

قال تعالى 🙁 ( يا ايها الذين آمنوا  استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون  (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)) سورة الانفال

 

تارودانت : الاربعاء 27 محرم 1439 هجرية / 18 أكتوبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع  .. * مصطفى المتوكل الساحلي

ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر  في يوليو 1925…