نبذة عن جماعة الإخوان المسلمين بمصر
بي بي سي
تواجه جماعة الإخوان المسلمين أزمة قد تكون هي الأصعب في تاريخها الذي يبلغ 85 عاما.
فقد عزل الرئيس المصري محمد مرسي -وهو أحد أعضاء الجماعة- من منصبه من قبل الجيش، كما ألقي القبض على قيادات الجماعة، وأحرق مقرها الرئيسي ونهبت محتوياته.
وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين -التي أسسها حسن البنا- واحدة من أقدم التنظيمات الإسلامية في مصر وأكبرها، كما أن لها تأثيرا على الحركات الإسلامية في العالم، وذلك بما تتميز به من ربط عملها السياسي بالعمل الإسلامي الخيري.
وكانت الجماعة تهدف في البداية لنشر القيم الإسلامية والعمل الخيري، إلا أنها سرعان ما انخرطت في العمل السياسي، وخاصة في كفاحها لرفع سيطرة الاستعمار الإنجليزي عن مصر، وتطهيرها من كل أشكال التأثير الغربي عليها.
ومع أن الإخوان يقولون إنهم يدعمون مبادئ الديمقراطية، إلا أن أحد أهداف الجماعة التي أعلنتها يتمثل في إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية، ويتمثل ذلك أيضا في شعارها الشهير “الإسلام هو الحل”.
جناح شبه عسكري
وبعد أعلن البنا عن الجماعة في عام 1928، افتتحت لها أفرع في جميع أنحاء الدولة المصرية، وكان كل واحد من تلك الأفرع يدير مسجدا ومدرسة وناديا رياضيا، وسرعان ما انتشرت عضويتها.
وفي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، بلغ تابعو الجماعة ما يقرب من مليوني فرد في مصر، كما انتشرت أفكارها في جميع أنحاء العالم العربي.
وفي الوقت نفسه، أسس البنا جناحا شبه عسكري -وهو الجهاز السري الخاص بجماعة الإخوان- بهدف محاربة الحكم الإنجليزي، والمشاركة بواحدة من حملات التفجيرات والاغتيالات.
وفي أواخر عام 1948، قامت الحكومة المصرية بحل الجماعة بعد أن أصبحت تشكل تهديدا للمصالح البريطانية والإسرائيلية، وسرعان ما ألقيت عليها تهمة اغتيال رئيس الوزراء المصري آنذاك، محمود باشا النقراشي.
وعلى الرغم من أن البنا أعرب عن رفضه لذلك الاغتيال، إلا أنه اغتيل بطلق ناري من قبل أحد المسلحين، الذي يعتقد أنه أحد أفراد قوات الأمن.
وفي عام 1952، انتهت فترة الحكم الاستعماري البريطاني في أعقاب انقلاب عسكري قادته مجموعة من ضباط الجيش، أطلقوا على أنفسهم اسم مجموعة “الضباط الأحرار”.
ولعب الإخوان في ذلك الوقت دورا داعما لذلك الانقلاب وتعاونوا مع الحكومة الجديدة. وكان أنور السادات، وهو أحد أولئك الضباط والذي أصبح رئيسا للبلاد عام 1970، هو حلقة الوصل السرية بين الضباط والجماعة، إلا أن العلاقات سرعان ما توترت بينهم.
وفي أعقاب فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1954، وجهت تهمة محاولة الاغتيال إلى الجماعة، وجرى حظرها، وأودع الآلاف من أعضائها في السجون وتعرضوا للتعذيب. إلا أن الجماعة أخذت في التوسع بشكل سري.
وأدى ذلك الصراع بين الجماعة والسلطة المصرية إلى إحداث تحول هام في فكر الإخوان، الذي كان واضحا في كتابات سيد قطب أحد أعضاء الجماعة ومفكريها المشهورين.
حيث كان قطب يؤيد فكرة الجهاد ضد المجتمعات الجاهلية، الغربية منها والإسلامية أيضا، والتي كان يرى أنها بحاجة لأن تشهد تحولا جذريا.
وكانت كتاباته، وخاصة ما كتبه عام 1964 في كتابه “معالم في الطريق”، مصدر إلهام لمؤسسي العديد من الجماعات الإسلامية الأصولية، بما فيها جماعة الجهاد الإسلامي وتنظيم القاعدة.
وشهد عام 1965 ممارسات جديدة من قبل الحكومة المصرية ضد جماعة الإخوان، بما في ذلك إعدام قطب في عام 1966، وهو ما جعل الكثير من الناس في منطقة الشرق الأوسط يعتبرونه شهيدا.
ممارسات قمعية
وخلال عام ثمانينيات القرن الماضي، حاول الإخوان مرة أخرى المشاركة في التيار السياسي الرئيسي في البلاد.
وقامت قياداتها المتتابعة بتشكيل تحالفات مع حزب الوفد في عام 1984، كما تحالفوا أيضا مع حزب العمل والأحزاب الليبرالية عام 1987، ليصبحوا أكبر القوى المعارضة في مصر. وفي عام 2000، ربح الإخوان 17 مقعدا في مجلس الشعب المصري.
وبعد خمسة أعوام، حققت الجماعة أفضل نتيجة لها في الانتخابات، حيث فاز مرشحوها المستقلون بنسبة 20 في المئة من مقاعد المجلس.
وجاءت تلك النتيجة صادمة للرئيس المصري آنذاك، حسني مبارك، وبدأت الحكومة المصرية في ذلك الوقت بممارسات قمعية جديدة على الجماعة، معتقلة المئات من أعضائها، إضافة إلى أنها قامت بعدد من “الإصلاحات” القانونية لمواجهة ذلك النشاط للجماعة.
وأجري تعديل على الدستور لينص على ألا يكون النشاط السياسي أو الحزبي قائما على أي خلفية أو أساس ديني. كما نص التعديل على منع أي مرشح من الترشح لرئاسة الجمهورية إذا لم يكن تابعا لأحد الأحزاب. كما جرى تقديم مشروع لقانون الإرهاب، يعطي قوات الأمن سلطات مطلقة لاعتقال المشتبه بهم وفرض القيود على التجمعات في الشارع.
وفي بداية عام 2011، خرجت المظاهرات المناوئة للحكومة إلى الشوارع المصرية، وكان من الواضح أن المحفز الأساسي لها هو ما شهده الشارع التونسي من احتجاجات أدت في النهاية إلى رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
وعلى الرغم من أن العديد من أعضاء جماعة الإخوان شاركوا في تلك الاحتجاجات، إلا أنهم لم يظهروا بشكل علني. فلم تظهر الشعارات التقليدية للجماعة في أي مكان من ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة.
قوة متصاعدة
وفي أول انتخابات برلمانية أجريت بعد الإطاحة بمبارك في فبراير 2011، فاز حزب الحرية والعدالة الذي كان الإخوان قد شكلوه مؤخرا بما يقرب من نصف المقاعد في مجلس النواب، ليتخطى بذلك كل الإنجازات التي أنجزوها من ذي قبل.
وجاء في الترتيب الثاني حزب النور السلفي المتشدد، وهو ما جعل للإسلاميين سيطرة على 70 في المئة من مقاعد مجلس النواب. كما حصد الإخوان والإسلاميون بشكل عام أيضا نسبة مقاربة في الانتخابات التي أجريت لانتخاب أعضاء مجلس الشورى.
وسمح ذلك للإخوان وحلفائهم بأن تكون لهم الهيمنة على اختيار الأعضاء المئة الذين يشكلون الجمعية التأسيسية لدستور مصر الجديد، وهو ما أثار غضبا في أوساط القوى الليبرالية والعلمانية، إلى جانب الأقباط المسيحيين، وأوساط الشباب والنساء، الذين كانوا يعترضون على أن هذه الجمعية لم تكن تمثل كامل الشعب المصري بمختلف طوائفه.
وتزايدت المخاوف من أن الإخوان قد يسعون وراء احتكار السلطة، عندما أعلنت الجماعة عن خوضها سباق الانتخابات الرئاسية، وذلك على الرغم من أنها وعدت من ذي قبل أنها لن تخوض تلك الانتخابات.
وفي عام 2012، أصبح محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة آنذاك، هو الرئيس الديمقراطي المنتخب لجمهورية مصر العربية، حيث فاز بنسبة 51 في المئة من الأصوات، وذلك في سباق استقطابي تنافسي بينه وبين الفريق المتقاعد أحمد شفيق.
وبعد إعلانه رئيسا للبلاد، عمل مرسي على طمأنة معارضي الإخوان من خلال تأكيده على أنه يريد إنشاء دولة “ديمقراطية مدنية حديثة”، تحفظ الحرية الدينية وحق التظاهر السلمي.
عزل
وبدأت المعارضة الشعبية لمرسي وجماعة الإخوان تتشكل في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012.
وحتى يتأكد من أن الجمعية التأسيسية للدستور الجديد ستتمكن من استكمال كتابته، أصدر الرئيس مرسي إعلانا دستوريا مؤقتا يمنح نفسه صلاحيات لم تكن له. وبعد أيام من الاحتجاجات التي قامت بها المعارضة، وافق مرسي على تحديد نطاق إعلانه الدستوري، إلا أن مشاعر الغضب اندلعت بشكل أكبر مع حلول نهاية ذلك الشهر عندما تعجلت الجمعية التأسيسية للدستور إقرار نسخة الدستور، على الرغم من مقاطعة الليبراليين والعلمانيين والأقباط للجمعية وانسحابهم من عضويتها، لأنهم يرون أن الدستور لم يكن يحمي حرية الرأي والعقيدة.
ومع تزايد حدة المعارضة، أصدر الرئيس مرسي قرارا يكلف القوات المسلحة المصرية بتولي مهام حماية المؤسسات الوطنية وأماكن الاقتراع حتى يتم الاستفتاء على مسودة الدستور في ديسمبر عام 2012.
وعاد الجيش إلى ثكناته بعد إقرار الشعب للدستور، إلا أنه اضطر لنشر قواته في مدن القنال لوقف الاشتباكات الدامية بين معارضي الرئيس وجماعة الإخوان ومؤيديهما. وبحلول نهاية يناير من عام 2013، حذر الجيش من أن هذه الأزمة السياسية “قد تقود البلاد إلى الانهيار”.
وفي أواخر إبريل من نفس العام، أنشأ ناشطو المعارضة البذرة الأولى لحركة “تمرد” المعارضة. وركزت تلك الحركة على جمع التوقيعات لاستمارات الحركة والتي تضمنت الاعتراض على إخفاق نظام مرسي في استعادة الأمن وإحداث تقدم في الاقتصاد المصري، كما اتهمته الحركة بتقديم مصالح جماعة الإخوان على مصلحة البلاد.
وعملت حركة تمرد أيضا على التنظيم لمظاهرات ضخمة في ذكرى تولي مرسي للرئاسة في الثلاثين من يونيو ، لتخرج الملايين إلى الشارع مطالبة برحيله.
ومع حالة عدم الاستقرار وارتفاع أعداد القتلى بين المتظاهرين، دفع ذلك الجيش لتحذير مرسي في الأول من يوليو بأنه سيتدخل لفرض خارطة طريق إذا لم يستجب للمطالب الشعبية خلال 48 ساعة وينهي الأزمة السياسية.
وفي الثالث من يوليو/تموز، نشر الجيش قواته ومدرعاته في الشوارع، ليعلن في نهاية اليوم تعطيل العمل بالدستور، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بمهام رئيس الجمهورية بدلا عن مرسي.
وجرى احتجاز الرئيس المصري وقياديين بارزين من جماعة الإخوان المسلمين، كما جرى إغلاق القنوات التلفزيونية الفضائية الإسلامية.
أما جماعة الإخوان، فقد أدانوا ما وصفوه بـ”الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب وإرادة الشعب”، معلنين عدم التعامل مع أي رئيس مؤقت للبلاد.
عن موقع الف بوست
11/07/2013