لعل من أشكال العنف المزدوج ما يمكن تسميته بالعنف السلبي وعنف رد الفعل، فالعنف السلبي هو الإحساس بالعجز وقلة الحيلة، وضيق السبل. وهو الإحساس العام عند كثير من العرب إزاء العدوان الصهيوني، بالعجز والإحباط وانعدام الحيلة، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم المنازل، وتجريف الأراضي، وطرد السكان. وقد يتحول هذا العجز وهو العنف السلبي إلى رد فعل عند بعض الأفراد أو المجموعات، ليصبح بذلك نوعا العنف معاً بمثابة حلقة مفرغة لا تؤدي إلا إلى استمرار الصراع والنزاع وعدم التفاهم المطلوب بين الناس.
عندما يذكر الإرهاب في بعض وسائل الإعلام فهو يعني الإرهاب الديني عامة دون ذكر أنواع الإرهاب الأخرى من الأحزاب اليسارية وجماعات الرفض للوضع القائم في الغرب التي تقوم على الفوضوية والاعتزاز بالحرية، مثل ثورة الشباب في الغرب في مايو 1968، وجماعات الثقافة المضادة والمعارضة لنظام العالم الجديد، العولمة، في نهاية عصر الاستقطاب مثل مظاهرات سياتيل وبراغ وباريس ولندن وجنوه ودافوس. فظروف الإرهاب واحدة، في الإرهاب الديني، أو الإرهاب السياسي، رفض الوضع القائم.
ولذلك لجأت بعض المجموعات الدينية والأحزاب الشيوعية إلى الإرهاب. ويسقط الضحايا نتيجة للإرهاب الديني والسياسي على حد السواء. وفي الولايات المتحدة هناك الجماعات اليمينية المتطرفة التي تقف وراء تدمير مبنى الحكومة الفيدرالية في أوكلاهوما، ووراء اغتيال جون كينيدي ومارتن لوثر كينج وغيرهما من نشطاء حقوق الإنسان. والعنف متفشٍ في أميركا، كما يبدو في أفلام هوليوود، إرهاب السرقة والقتل والتفرقة العنصرية والبحث عن البطولة الزائفة! وجنون الإعلام. فعلى رغم وجود الدستور وإعلان الاستقلال والمساواة في الحقوق والواجبات إلا أن سلوك «رعاة البقر» هو السائد في كثير من مظاهر الحياة اليومية.
ويحاول البعض إلصاق صفة الإرهاب الديني بالإسلام. فكل الإرهابيين مسلمون، في رأيهم، ولا أحد ينفي وجود إرهاب في داخل العالم الإسلامي، في الجزائر التي وصل ضحاياه فيها إلى مئة ألف قتيل، وفي مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا. ولكن الإرهاب ليس مقتصراً على مسلمين، بل يوجد هناك متطرفون وإرهابيون من كل الأديان والثقافات. وبتفشي الصور النمطية والتحامل لدى البعض في الغرب يتم اختزال الإسلام كله، حضارته وثقافته وعلومه وقيمه في الإرهاب، مع أن العلوم الإسلامية كانت وراء نهضة الغرب الحديث. وأعطت العالم كله النموذج الأندلسي، العصر الذهبي اليهودي، والرشدية اللاتينية، العصر الذهبي للفكر الحر المسيحي في العصر الوسيط المتأخر.
أما الإرهاب الديني المسيحي والإرهاب اليهودي في حرق منبر المسجد الأقصى والرغبة في هدمه وإعادة بناء الهيكل، واحتلال القدس، ومنع المصلين من دخول الحرم الشريف، فلا يكاد يسمى كذلك. لقد كان المسلمون ضحايا الإرهاب في كثير من مناطق العالم، كفلسطين مع إخوتهم المسيحيين. فكيف يكون ضحايا الإرهاب هم الإرهابيون؟ كيف يصبح الضحية هو الجلاد؟
وإرهاب الإنسان للإنسان، منذ القديم قد يأخذ صوراً عدة، كأن يرهب القوي الضعيف، والظالم المظلوم، ورجال فرعون الناس. ولا يمكن إذن القضاء على الإرهاب فقط عن طريق الوعظ والإرشاد وبيان التسامح في كل دين والاحترام المتبادل الواجب في كل ثقافة بل عن طريق القضاء على جذور الإرهاب ومنعه من الأساس، وهي أوضاع الظلم والاضطهاد والمنع والحرمان لشعوب بأكملها مثل الشعب الفلسطيني، أو لطوائف فيها أيضاً. يمكن القضاء على الإرهاب إذن بإعادة تشكيل العلاقات الدولية على العدل وليس على القوة، وإعادة بناء العلاقات السياسية في الدول بين الحكم والمحكوم على أسس ديمقراطية وليس على علاقات من طرف واحد، أوامر الحكم وطاعة المحكوم.