‭ ‬11‭ ‬شتنبر‭ ‬2001‭ ‬‮-‬‭ ‬11‭ ‬شتنبر‭ ‬2017‮!‬
هل‭ ‬نبشر‭ ‬أنفسنا‭ ‬بنهاية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية…؟
‭ ‬

أصبح‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مشروعا‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬‮-‬‭ ‬الجيواستراتيجية،‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يثير‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬السخرية‮..‬

ومن‭ ‬سخرية‭ ‬الأقدار‭ ‬السياسية،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬تاريخ‭ ‬قاس‭ ‬للغاية،‭ ‬كان‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬الاستعراض‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬للهيمنة،‭ ‬وهو‭ ‬تاريخ‭ ‬تلقي‭ ‬أمريكا‭ ‬لضربات‭ ‬11‭ ‬شتنبر‭ ‬2001‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ابن‭ ‬لادن‭ ‬وقاعدته‮.‬

كانت‭ ‬الضربة،‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬القاعدة‭ ‬ومن‭ ‬معها،‭ ‬بداية‭ ‬انهيار‭ ‬البرج‭ ‬الأمريكي‭ ‬الكبير،‭ ‬واستدراج‭ ‬القوة‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬بلادها،‭ ‬في‭ ‬قوس‭ ‬عريض‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬إلى‭ ‬العراق‮..‬

بدا‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬الضربة‭ ‬المجنونة،‭ ‬القاهرة‭ ‬والدموية،‭ ‬مست‭ ‬الهالة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬ضربة‭ “‬هاربور‭” ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬دخول‭ ‬ولايات‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬‮..‬

وهي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬أمريكا‭ ‬تحاول‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬منطقها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬طلبات‭ ‬الحلفاء،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجرأت‭ ‬اليابان‭ ‬الشرقية،‭ ‬مملكة‭ ‬السماء،‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬الوحش‭ ‬النائم‭ ‬على‭ ‬قوته‮.‬

من‭ ‬الشرق،‭ ‬ومن‭ ‬مؤمنين‭ ‬بأنهم‭ ‬من‭ ‬مملكة‭ ‬السماء‭ ‬جاءت‭ ‬الضربة‭ ‬الثانية،‭ ‬فأخرجت‭ ‬الوحش‭ ‬النائم،‭ ‬من‭ ‬غمده،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أظهرت‭ ‬هشاشته‭ ‬وقدرة‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬إيذائه‮…‬،‭ ‬وبدا‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬محدودة‭ ‬العدد‭ ‬فرضت‭ ‬استدراجها‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬تطلب‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المستنقع‭ ‬الموحل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وبدأت‭ ‬عروض‭ ‬الانسحاب‭ ‬العسكري‭ ‬منه‭ ‬أجندة‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬السنة‮..‬

‬شتنبر‭ ‬2001،‭ ‬كانت‭ ‬نهاية‭ ‬الهيبة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬القارة‭ ‬أكثر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬أمنا،‭ ‬بل‭ ‬أكثرها‭ ‬إثارة‭ ‬للفزع‭ ‬لدى‭ ‬الأعداء‭ ‬منذ‭ ‬روما‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجوب‭ ‬العالم‭ ‬وتهز‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬بلا‭ ‬رحمة‮..‬

‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬نتذكر‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬المحافظون‭ ‬الجدد‮:‬‭ ‬مثل‭ ‬روما،‭ ‬سنعبر‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬لوحدنا‮..‬وبكامل‭ ‬قوتنا‮!‬

11‭ ‬شتنبر‭ ‬2017‮….‬
‭ ‬
انتهى‭ ‬زمن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬المالية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬والثقافية‭ ‬التنميطية‭ ‬أيضا‭ ‬تعفيها‭ ‬من‭ ‬استشارة‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كوسوفو‭ ‬1999،‭ ‬عندما‭ ‬تدخلت‭ ‬وخلقت‭ ‬إقليما‭ ‬حولته‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬هولبروك‭. ‬‮…‬

اليوم‭ ‬مع‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬نعيش‭ ‬العد‭ ‬العكسي‮:‬‭ ‬وبذلك‭ ‬سيكون‭ ‬يوم‭ ‬11‭ ‬شتنبر‭ ‬يوما‭ ‬تاريخيا،‭ ‬لأنه‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬ستراجع‭ ‬فيه‭ ‬أمريكا‭ ‬قوتها‭ ‬المعلنة‭ ‬وتصريحاتها‭ ‬بعدم‭ ‬قبول‭ ‬نظام‭ ‬بيونغ‭ ‬يونغ،‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬تقدمه‭ ‬إلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬تحديدا‭ ‬بأقل‭ ‬الصرامة‭ ‬الممكنة‮..‬
وقد‭ ‬كتب‭ ‬المحلل‭ ‬رونو‭ ‬جيرار‭ ‬في‭ “‬‮«‬الفيغارو‭”‬‮»‬‭ ‬مقالا‭ ‬تفصيليا‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬بتشعباته،‭ ‬نكتفي‭ ‬بسرد‭ ‬أهم‭ ‬محاوره،‭ ‬لاقتناع‭ ‬كبير‭ ‬بما‭ ‬ورد‭ ‬فيه‮..‬

‬وسنحكي‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬أولها‭ ‬‮:‬‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التحذيرات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬وبعد‭ ‬فوزه،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬بأول‭ ‬تفجيرات‭ ‬تجريبية‭ ‬نووية‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬شتنبر‭ ‬الجاري‭ ‬‮(‬‭ ‬100كيلوطن‮)‬‭ ‬،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬5‭ ‬مرات‭ ‬قوة‭ ‬القنبلة‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬هيروشيما‮)‬،‭ ‬انتقلت‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬ضرب‭ ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬إلى‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬قوية‭ ‬وذات‭ ‬رسائل‭ ‬مخيفة،‭ ‬محاصرة‭ ‬بترولية،‭ ‬توقيف‭ ‬الصادرات‭ ‬من‭ ‬النسيج،‭ ‬تجميد‭ ‬أجور‭ ‬العاملين‭ ‬حوالي‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬عامل‭ ‬متفرغين،‭ ‬‮…‬تجميد‭ ‬ممتلكات‭ ‬الرئيس‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬اون‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وتقليص‭ ‬تحركاته‭ ‬وتنقلاته‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬‮..‬

هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬كما‭ ‬شرح‭ ‬رونو‭ ‬جيرار‭ ‬في‭ “‬الفيغارو‭”‬‮»‬‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬تهديد‭ ‬بالفيتو‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الروس‭ ‬والصينيين‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بالوفد‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬التراجع‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬والقبول‭ ‬‮»‬بنص‭ ‬أكثر‭ ‬لطفا‮«‬،‭ ‬وحل‭ ‬تحديد‭ ‬سقف‭ ‬الصادرات‭ ‬محل‭ ‬الحصار‭ .‬
هذا‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الكوري،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬المصدر‭ ‬نفسه،‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬‮»‬مسلسل‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الانتكاسات‭ ‬الجيو‭ ‬استراتيجية‭: ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬أملت‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬قانونها‭ ‬‮.‬‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬صدام‭ ‬حسين‮..‬

عمل‭ ‬غير‭ ‬عقلاني‭ ‬عقب‭ ‬ضربات‭ ‬11‭ ‬شتنبر‭ ‬2001،‭ ‬والفعل‭ ‬اللاعقلاني‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬الجيو‭ ‬استراتيجية‭ ‬يفقد‭ ‬صاحبه‭ ‬سلطته‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الردع‭ ‬والإقناع‮..‬‭ ‬رونو‭ ‬جيرار

ثلاث‭ ‬نقط‭ ‬أخرى‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‮:‬
*حرب‭ ‬أفغانستان‭: ‬رسمت‭ ‬أمريكا‭ ‬حدودا‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬معها‭ ‬ومن‭ ‬ضدها،‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬باكستان‭ ‬ساندتها‭ ‬علنا‭ ‬لكنها‭ ‬تركت‭ ‬منطقة‭ ‬بكاملها‭ ‬لطالبان‭ ‬بلادها‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬خلفية‭ ‬لطالبان‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬طردها‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬ومن‭ ‬الحدود‭.‬
في‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الروسية‭ ‬ساندت‭ ‬التمرد‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفي‭ ‬جورجيا،‭ ‬وهي‭ ‬تعتقد‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬بوتين‭ ‬لن‭ ‬تقوم‭ ‬بأي‭ ‬رد‭ ‬فعل،‭ ‬فأخطأت‭ ‬كثيرا‭.‬
‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬قوتها‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬عندما‭ ‬ضم‭ ‬العراق‭ ‬الكويت‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬بوتين‭ ‬مع‭ ‬القرم‭ .‬
روسيا‭ ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬فضاء‭ ‬للحدود‭ ‬الجديدة‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬شرطا‭ ‬هو‭ ‬رحيل‭ ‬الأسد‭ ‬‮:‬فأين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشرط؟
هناك‭ ‬تحولات‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬اليوم‭ ‬نحو‭ ‬تراجع‭ ‬الهيمنة‭ ‬بدون‭ ‬فقدان‭ ‬القوة،‭ ‬هل‭ ‬نبشر‭ ‬أنفسنا‭ ‬بهذا‭ ‬التراجع؟

 

الجمعة 15 شتنبر 2017.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…